فقيد العلم والتحقيق في النّجف الأشرف العلاّمة آية الله السيّد محمّد رضا الموسويّ الخرسان (قده)

25/11/2019
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

إعداد القاضي الدكتور الشيخ يوسف محمّد عمرو

فقدت حوزة النّجف الأشرف، والحوزات العلميّة الدينيّة في العراق وايران ولبنان إماماً من أئمة التحقيق والتدقيق في علوم الحديث والرجال والفقه والأصول والأدب واللغة والتاريخ، هو أستاذنا الكبير العلاّمة آية الله السيّد محمّد رضا الموسويّ الخرسان (قده)، يوم الثلاثاء الواقع فيه ١٩ ذو القعدة ١٤٤٠ هـ. الموافق ٢٣ تموز (يوليو) ٢٠١٩ م.

وكان لي الشرف الكبير في حضور بعض دروسه في الفقه والأصول مع ثلة كريمة من الطلبة اللبنانيين في السبعينيات من القرن الماضي والتبرك بالصلاة جماعة وراء والده المُقدّس آية الله السيّد حسن الموسويّ الخرسان (قده)، في النّجف الأشرف وكربلاء. والتتلمذ والرواية عن شقيقه الأكبر آية الله السيّد محمّد مهدي أطال الله بعمره الشريف.

وقبل الحديث عنه (رضوان الله تعالى عليه) سوف نتكلّم عن السادة الأشراف الموسويين من آل معصوم المعروفين بآل خرسان في النّجف الأشرف مئات السنين.

أ ـ مع السادة آل الخرسان

السادة (آل الخرسان) من الأسر النجفيّة الموسويّة الشريفة، التي جمعت بين شرف العلم وخدمة الحرم العلويّ المطهّر، وقد نبغ فيهم علماء وأدباء ووجهاء و.. و.. وما عساني أن أكتب عنهم وقد ذُكروا في قديم الزمان وحاضره، فقد وصف تقيّ الدين أحمد بن عليّ المقريزيّ (ت ٨٤٥ هـ) في خططه جدّهم السيّد أبا الحسن معصوماً في قصّة مشهورة حدثت مع طلائع بن رزيك (ت ٥٥٦ هـ) بأنّه: (إمام مشهد عليّ رضي الله عنه يومئذ) . (١)

الشيخ الأميني:

قال السيد ابن شدقم في (تحفة الأزهار): كان أبو الحسن بن معصوم ابن أبي الطيب أحمد سيداً شريفاً جليلاً عظيم الشأن رفيع المنزلة كان في المشهد الغروي كبيراً عظيماً ذا جاه وحشمة ورفعة وعز واحترام عليه سكينة ووقار. ا ه. وهو جَدُّ الأسرة الكريمة النجفية المعروفة اليوم ببيت خرسان. وقال المقريزي في (الخطط) ج ٤ ص ٨١ ـ ٧٣: زار الملك الصالح مشهد الإمام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في جماعة من الفقراء، وإمام مشهد عليّ رضي الله عنه يومئذ السيد ابن معصوم فزار طلايع وأصحابه وباتوا هنالك، فرأى السيّد في منامه الإمام صلوات الله عليه يقول له: قد ورد عليك الليلة أربعون فقيراً من جملتهم رجل يقال له: طلايع بن رزيك من أكبر محبينا فقل له: إذهب فإنّا قد ولّيناك مصر.

فلما أصبح أمر من ينادي : من فيكم اسمه طلايع بن رزيك ؟ فليقم إلى السيّد ابن معصوم.

فجاء طلايع إلى السيّد وسلّم عليه فقّص عليه رؤياه، فرحل إلى مصر وأخذ أمره في الرُقي، فلما قتل نصر بن عباس الخليفة الظافر إسماعيل استثارت نساء القصر لأخذ ثاراته بكتاب في طيه شعورهن، فحشد طلايع الناس يريد النكبة بالوزير القاتل، فلما قَرُبَ من القاهرة فَرَّ الرجل ودخل طلايع المدينة بطمأنينة وسلام، فخلعت عليه خلايع الوزارة ولقب بالملك الصالح، فارس المسلمين، نصير الدين، فنشر الأمن وأحسن السيرة.

وفي بطون الكتب ـ خاصّة كتب النسب والتراجم ـ جملة من أحوالهم وآثارهم وما يتعلّق بنسبهم الوضّاح.

وآية الله السيّد حسن ابن السيّد عبد الهادي الخرسان: (والد السيد محمد رضا)

ولد في النجف الأشرف في المحرّم من سنة ١٣٢٢هـ، ونشأ فيها، درس مقدّماته الأوّليّة على أساتذة أفاضل، وترقّى لحضور أبحاث الأساتذة في الفقه وأصوله على السيّد أبو الحسن الأصفهانيّ والشيخ محمّد حسين النائينيّ، والشيخ ضياء الدين العراقيّ، وفي الرجال على السيّد أبي تراب الخونساريّ، وفي الأخلاق والحكمة على الشيخ عليّ القمّيّ، والشيخ نعمة الله الدامغانّي.

يقول الشيخ جعفر محبوبة: (قام مقام أسلافه وشيوخ أسرته ومحلّ ندوته، تكفّل أياماهم، وحنا على أيتامهم، وجمع شملهم الذي لولاه لتشتّت، وهو من أهل الفضل، ومن طلاّب العلوم الدينيّة الناجحين، تتمثّل به مظاهر التقوى والصلاح، وآثار السيادة والسماح، مُجدٌّ في إقامة الفرائض والسنن، يدأب في العبادة والأذكار، وهو من الملازمين للحرم العلوي في كثير من الأوقات بعد فراغه من دروسه ومذاكراته)(٢). وله آثار كثيرة.

شيوخه في الرواية:

١ـ الشيخ آغا بزرك الطهرانيّ (ت ١٣٨٩هـ).

٢ـ السيّد عبد الحسين شرف الدين (ت ١٣٧٧هـ).

٣ـ الشيخ ميرزا محمّد العسكريّ الطهرانيّ (ت ١٣٧١ هـ).

٤ـ السيّد إبراهيم الراوي الرفاعيّ (شيخ ومرشد الطريقة الرفاعيّة).

من الراوين عنه:

١ـ السيّد محمود الدهسرخيّ الأصفهانيّ.

٢ـ الشيخ حسين سيبويه.

٣ـ السيّد محمّد صادق الصدر.

وفاته: توفّي في النجف صباح يوم الأحد ١٢ جمادى الأولى سنة ١٤٠٥هـ، ودفن في الصحن الشريف في الحجرة ذات الرقم ١٠(٣).

ورثاه جملة من شعراء وعلماء عصره.

وشقيق السيّد هو آية الله المحقّق السيّد محمّد مهديّ ابن السيّد حسن الخرسان (حفظه الله)، ولد سنة ١٣٤٧هـ، عالم، مؤلّف، محقّق، ورع ويعجبك زهده وتقواه، ويؤنسك كلامه وفحواه.

ـ آية الله السيّد محمّد رضا ابن السيّد حسن الخرسان (طيب الله ثراه)(٤):

ولد في النّجف في ١٤ جمادى الأولى سنة ١٣٥٢هـ.

أساتذته: نشأ على أبيه آية الله السيّد حسن، فقرأ مقدّماته الأدبيّة والشرعيّة، وكذلك سطوحه الدراسيّة، ثمّ تنقّل بين أساتذة عصره، وهم الشيخ مجتبى اللنكرانيّ، والشيخ محمّد تقيّ الإيروانيّ، ثمّ حضر الأبحاث العالية على السيّد عبد الهادي الشيرازيّ والميرزا حسن اليزديّ والسيّد محسن الحكيم والسيّد أبو القاسم الخوئيّ.

ثمّ استقلّ بالبحث والتدريس فلازمه جملة من الأفاضل وتتلمذوا على يديه، وكانت حلقات دروسه مشهورة مكتظة، وآخرها بحثاه في الخارج فقهاً وحديثاً.

صفاته: يذكّرك بالصفوة الصالحة من أصحاب الأئمّة، لا ينطق إلّا فصاحة، ولا يتحدّث إلّا بياناً، ولا يفيض إلّا حكمةً وشعراً، فكلامه إمّا قرآن أو شعر أو نثر.

تهابه إجلالاً، وتقدّسه احتراماً، وتتجنّب اللحن في حضرته، أنيق في مظهره، مهيب في شخصيّته، صاحب مدرسة متفرّدة، لعلّ مقدّمته لكتاب الانتصار للسيّد المرتضى تنبئك بالكثير عن موسوعيّته، وتحيطك خبراً بثقافته، فهي مقدّمة كأنّها بنيان مرصوص من العبارات والكلمات والألفاظ، تدلّ على قوّة المبنى ودقّة المعنى، يستمع إلى الحاضرين بإنصات، ويستمع الحاضرون إليه بشوق غريب، حديثه إمّا توجيه أُخرويّ أو تقويم دنيويّ، وهو في نفسه مرهف الحسّ، هادئ الطبع، وديع الذات، قويّ الإرادة، نافذ البصيرة، ليّن العريكة.

شيوخه في الحديث والرواية:

١ ـ السيّد عبد الحسين شرف الدين (ت ١٣٧٧هـ).

٢ ـ السيّد هبة الدين الشهرستانيّ (ت ١٣٨٦هـ).

٣ ـ الشيخ حسين ابن الشيخ عليّ القديحيّ (ت ١٣٨٧هـ).

٤ ـ الشيخ آغا بزرك الطهرانيّ (ت ١٣٨٩هـ).

٥ ـ الميرزا حسن البجنورديّ (ت ١٣٩٥هـ).

٦ ـ السيّد أبو القاسم الموسويّ الخوئيّ (ت ١٤١٣ هـ).

٧ـ السيّد عبد الأعلى السبزواريّ (ت ١٤١٤هـ).

وأمّا الراوون عنه فهم عدد كبير من أهل العلم والتحقيق والأدب، يصعب ذكرهم في هذه العُجالة.

من آثاره:

١ ـ الإمام الحسين ٧ القضيّة والمأساة.

٢ ـ الاشتراك في تحقيق ثلاثة من الكتب الحديثيّة الأربعة.

٣ ـ تقريرات الأصول من بحث السيّد الخوئيّ.

٤ ـ تقريرات الفق

وصلى على جثمانه المرجع الكبير اية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم (حفظه الله) ودفن في الصحن الحيدري الشريف الى جوار جدّه أمير المؤمنين t، بالحجرة المجاورة لقبر أستاذه السيّد الخوئي (قده).

وقد أرّخ وفاته جملة من الشعراء والعلماء منهم:

السيّد عبد الستار الحسني.

فقيهُ أهلِ البيتِ نورُ الهدى

في شهر ذي القعدة لبّى الندا

أعظم به من راحلٍ شخصُهُ

عزَّ على الإسلامِ أنْ يُفقدا

إذ ثُلِمتْ من ديننا ثلمةٌ

بفقدِهِ مذ يممَ المَلْحدا

ذاك أبو الجواد مَنْ رُزؤه

لرُزءِ يوم الطفِ قد جددا

مدرسةُ الأخلاقِ والعلمِ

قد نَعَتْهُ اُستاذاً لها مُرْشِدا

إذ كان مرساها وقاموسها

المحيطَ والمُستنبِطَ النَيقدا

سيرتُهُ المثلى غدتْ مضربَ

الأمثالِ يزدانُ بها المنتدى

ومذ قضى أرختُهُ «نادِباً رُزءُ

الرضا بكاهُ دينُ الهدى»

السيّد داخل السيّد حسن

حوزة العلم هوى بنيانها

فقدت صرح العلا خرسانها

فبكته حوزة الدين دماً

والقلوب اضطرمت نيرانها

وجليل الخطب اودى فارساً

أين منه في الوغى فرسانها؟

ومصاب فادح فقد الرضا

وشحت حوزتنا أحزانها

أحسن الله عزا ساداتنا

فيهم السلوى فهم فتيانها

ايها الصادق والهادي الذي

حدثت عن هديهم ركبانها

سجل الحزن فأرخه (لنا

بالأسى يبكي الرضا عدنانها)

لنا ٨١، بالاسى ١٠٤، يبكي ٤٢، الرضا ١٠٣٢، عدنانها ١٨١=١٤٤٠

الشيخ علي المظفر

أمسى بفقدك ركن الدين منهدماً

وظل بعدك طود العلم منصدعا

يا حاملي نعشه رفقاً فإنَّ به

محمداً، وعلياً والبتول معاً

فمن بكاه فللآل الكرام بكى

ومن نعاه فللشرع الحنيف نعى

شمس الهدى انكسفت حزناً مؤرِّخةً

بأنه بالرضا المهديُّ قد فُجِعا

الشيخ أحمد النصيراوي

عم الجميع الخبر المؤسف ُ

عيوننا دماً عليه تذرف

نبكي وبعد الآه قد أرخوا

(حزناً نعاك يا رضانا النجف)

الهوامش:

أورد القصّة المقريزيّ في: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار: ٤/ ٨٥، وابن شدقم في: تحفة الأزهار: ٣/ ٢٩٧، والعلامة الأمينيّ (قده) في: كتابيه الغدير: ٤/٣٤٨، وشهداء الفضيلة: ٦١.

جعفر محبوبه، ماضي النجف وحاضرها، الموسويّون، مخطوط.

كاظم الفتلاويّ، مشاهير المدفونين ١٠٧.

ظ: مجلّة الموسم التي تصدر في هولندا ٧٩ ـ ٨٠ السنة ٢٠٠٩، ص٥٠٩ ، كان أحد المعتمدين لدى الإمام الخوئيّ في اللجنة التي أشرفت على إدارة شؤون البلد إبّان الانتفاضة الشعبانيّة سنة ١٩٩١م، وقد اعتقل من جرّاء ذلك هو وولداه العلمان السيّد محمد هادي والسيّد محمّد صادق.