محمد رضا علي الحاج (ابو رضا) كوكب لن يغيب عن ذاكرة مُحبيّه حوار مع شقيقه سعادة القاضي حسن الحاج

25/3/2019
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

 (مفوض الحكومة لدى مجلس شورى الدولة)

 

إعداد المحامي خليل عجور

بتاريخ 6/1/2019 وحوالي الساعة الخامسة والنصف صباحاً ترّجل المرحوم الحاج أبو رضا عن صهوة جواده لينتقل الى رحمة ربّه، لن ينسى إقليم الخروب هذا الرجل الطاهر المُحبّ كما لوطنه لبنان، إنَّ بلدته الوردانية حزينة، كذلك كل من عرفه في المجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى، لا زالت كلماته محفورة في أذهاننا ووجداننا:« اشتقت لإمامي موسى الصدر» هو مالىء الدنيا، وشاغل الناس، هو عشير العلماء والسياسيين ورجال الدين وعامّة النّاس أجمعين.

هو محمد بن رضا بن علي بن محمد آل الحاج علي فخر الدين مواليد قرية سبلين 1924حيث ترعرع فيها وقضى طفولته، وكان يحتفظ بذكريات طيبة وعزيزة عن سبلين وكان يَحنُّ إليها دائماً إلى أن انتقل الى الوردانيّة في العام 1935 مع عائلته وهو أكبر أشقائه. تعلّمَ في مدارس سبلين ثم في مدرسة الوردانيّة، وبعد نيله الشهادة الإبتدائيّة انتقل الى مدارس المقاصد الخيريّة الإسلاميّة في بيروت (منطقة الحرج ـ البربير) وبدأ مسيرته العلميّة ولم يكن قد بلغ سن الرشد في العام 1941 عندما انتدب للتعليم في مدرسة دلهون وكان لا زال في الصف الثاني التكميلي في مدارس المقاصد، وفي دلهون الحبيبة تتلمذ القاضي حسن الحاج على يديه في مدرستها المؤلفة من غرفة واحدة.

ومن دلهون بدأت مسيرته ومشواره مع اقليم الوفاء، اقليم الخروب وبدأ ينسج العلاقات الاجتماعيّة مع القرى المجاورة الى أن انتقل الى الزعروريّة للتعليم في مدرستها الابتدائيّة وهناك توسعت علاقاته بقرى حصروت وعانوت وداريا والعاصمة الأبيّة شحيم وانخرط في حياتها الاجتماعيّة كفرد لا يتجزأ من كل منها فكان يشارك في افراحها وأتراحها وكلّ نشاطاتها ومناسباتها الإجتماعيّة، وكما كان شائعاً ومألوفاً في منطقتنا جبل لبنان كانت الحزبيّة على أشدّها بين الكتلتين «الدستوريّة» و«الوطنيّة» التي تحوّلت الى اشتراكيّة وطنيّة ودستوريّة ثم الشمعونيّة والجنبلاطيّة وكانت علاقات عائلات إقليم الخروب منقسمة بين هذه الحزبيّة وتلك الفرضية بتنافس ديمقراطي سليم (سقى الله تلك الأيام خيراً ) وكان المرحوم الراحل (أبا الرضا ـ كما كان يحلو أن يناديه أحد أصدقائه) صديقاً للجميع دون مجاملة او رياء أو مخادعة، فكيف استطاع هذا الرجل أن يوفق بين هذه العلاقات الحزبية المتناقضة وجميعهم يجمعون على محبته وتقديره وهو فاقع اللون في شمعونيته، فمن أي طينة جُبلَ هذا الراحل الكبير وما هو سرُّ هذه الشخصيّة الآسرة الساحرة الجذابة التي كان يلتف حولها الجميع بتقدير وحبِّ واحترام أينما حلَّ في قرى الإقليم وبلداته مُهنئاً أو مُعزيّاً او مواسياً أو زائراً لمريض أو قاصداً تفريج هم مكروب او ساعياً لرأب الصدع بين متخاصمين. وقد بلغ به الأمر أن قام أحد رؤساء بلديات اقليم الخروب أن تنازل عن منصبه لمصلحة أبي رضا...

ويطول الحديث عن أبي رضا وحكاياته الأشبه بالأساطير عن علاقة مقدّسة بين الراحل وقرى اقليم الخروب.

واستناداً الى هذه العلاقة التي سَبرَ أغوارها الإمام الرؤيوي السيّد موسى الصدر إمام الوطن عابر الطوائف والمناطق والمذاهب وبعد أن عرف كنه العلاقة بين أبي رضا وأهل الإقليم بكافة فئاتهم قال له الإمام المغيب بالحرف الواحد:« حافظ يا أبا الرضا على أواصر المحبّة ووشائج القربى مع هؤلاء النّاس (أهل الإقليم) فهم أَهلُ شيمة ووفاء».

أما عن البقاع فقد افتتح الراحل الكبير عام 1948 أول مدرسة في بلدة النخوة والرجولة (حزرتا) الرابضة على كتف البردوني من قبل لجنة تعليم فقراء المسلمين في القرى التابعة لجمعيّة المقاصد الإسلاميّة، هذه العلاقة ما تزال راسخة ومستمرّة حتى يومنا هذا عن طريق أواصر القربى والمصاهرة وتزوج من حزرتا من آل دياب.

تعرّف بعد ذلك إلى الراحل كميل شمعون في أواخر الخمسينيات الذي كان نائباً عن الشوف آنذاك وتوطدت العلاقة معه وعين مُوّظفاً في وزارة الداخليّة في مصلحة البلديات ثم انتقل الى ملاك المحكمة الشرعيّة الجعفريّة وتعرف إلى إمامنا المغيب السيّد موسى الصدر، في بداية مسيرته حيث كان الإمام يردد دائماً :« أبو رضا رافقني في مسيرتي منذ كنت شيخاً بسيطاً في صور».

وهنا يردف القاضي حسن الحاج ويقول لي :« بالله عليك، متى كان موسى الصدر شيخاً بسيطاً، فهو وُلِدَ كبيراً وعاش كبيراً وأُخفي وَغيّبَ لأنّه كان وحدويّاً وعظيماً ».

وهنا لا بُدَّ من استذكار قول لكبير من أهل السياسة في لبنان وهو الأمير عبد العزيز الشهابي الذي عاصر الإمام الصدر وعايشه فكان يردد دائماً « ابو رضا وشوشة المخدة لموسى الصدر».

في العام 1969 تأسس المجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى على يدي الإمام المغيب فقام الإمام بتعيين الحاج أبو رضا رئيساً لدائرة العلاقات العامّة في المجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى وهناك توسعت علاقاته بأهل الجنوب وأهل البقاع وبقي مع الإمام حتى تغييبه في العام 1978 كظله، فرافقه في ترحاله وجولاته وصولاته في لبنان وكانت فكرة شراء العقارات لصالح المجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى لإنشاء الجامعة الإسلاميّة في منطقة الوردانيّة من وحي الحاج أبو رضا، حيث شجّع الإمام الصدر على شراء هذه العقارات بعد أن زار معه موقع العقارات وكلفه رسمياً بالشراء حيث أقيم اليوم الصرح العلمي الكبير على هذه الأرض وكان ما زال قبل وفاته يحمل وكالة قانونيّة من الإمام المُغيَّب بإدارة شؤون العقارات التي تقام عليها الجامعة الإسلاميّة حالياً بإسم الراحل الكبير وباسم دولة الرئيس نبيه بري منذ أن كان محامياً بالإتحاد والإنفراد...

بقي الراحل في المجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى حتى بلغ سن التقاعد، وبقي موجوداً فيه حتى الرمق الأخير من حياته وظلَّ مثابراً على علاقاته مع رجال الدين والسياسيين ثم تولى مهام رئيس لجنة الوقف في الوردانيّة.

كان سيتمُّ افتتاح قاعة مجلس الأمناء في الجامعة الإسلاميّة في الوردانيّة بإسم الراحل الحاج أبو رضا يوم وفاة شقيقه المرحوم علي وقد عاجلته المنية بتاريخ 6/1/2019 وأرجئ الإفتتاح الى ذكرى الأربعين في القاعة ذاتها.

رحم الله الراحل الكبير وأسكنه فسيح جناته ولأهله ولمحبيه ولقرية الوردانيّة والمجلس الإسلاميّ الصبر والسلوان. 

 

المرحوم “أبو رضا” متوسطا القاضي الدكتور عمرو والأستاذ خليل عجور