الشهيد محمد حسين ديب العنّان في جوار الله تعالى

15/12/2014
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم: والدته الحاجة كوثر عمرو العنّان

طُلب إليّ أن أكتبَ عن إبني الشهيد محمد حسين لمجلة «إطلالة جُبيليّة» هذه المنطقة من لبنان الغالي فتوح كسروان ـ المعيصرة، حيثُ ترعرعَ إبني وأخوته في هذه القرية وتعلّقوا بها كثيراً فاعتبروها ضيعتهم، ونادراً ما تمرُّ عُطلةَ عيدٍ أو صيفيّة ولا يتواجدون بها، وإن سئلوا في المدرسة من اين أنتم؟ كانت إجابتهم من المعيصرة لشدةِ تعلّقهم بها، وكانوا يرددون دائماً: ليس هناك عيد إلاّ في المعيصرة لذلك سأقدم رسالةً كنتُ كتبتها بعد عودتي صباحاً من روضة الحوراء زينب، حيث جنّةُ الشهداءِ وضريحُ ولدي محمد حسين. مرّت عليَّ أيامٌ وأنا أستقبلُ النّاس المواسين ضاحكةً مسرورة أحدّثهم عن محمد وعن واجب الدفاع المقدّس وعن القضية، عن كربلاء وما جرى بعدها من مُصاب الحسين، وصبر زينب(ع).

كلامٌ كثيرٌ لا أَملُّ ولا أتعبُ ولا أرتوي من التحدث عن هذه المواضيع وأذهبُ إلى الروضة، في كلّ صباحٍ بعد صلاة الفجر والغصّةُ في قلبي، تخنقني العبرة ولا أشعر أنّ هناك ما يرويني وأفرغ أحاسيسي ومشاعري حتى بدأت بكتابة هذه الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم

ولدي الحبيب نور عيني، محمد حسين، ضاقت نفسي بزفراتها، قلت لعلي أفرغ بعض، الكلمات على ورق، الأيام تَمرُّ بسرعة وكأنّه، البارحة جاء الخبر، خبر سعادتك الأبديّة!! الأربعون اقترب، أيعقل يا ولدي أَنك لم تطرق بابي ولم تُنادِ أمي وإن لم أَجبك ترمي حقيبتك أرضاً وترفض دخول المنزل،

وتنتظر في أول الطريق، وأسألك لماذا يا ولدي؟؟. تجيب: لا أستطيع دخول المنزل، إن لم تكوني فيه (ما

بينفات على البيت وأنت مش فيه). كنت يا ولدي لا تأكل تنتظر أُمّك حتى تأكل معك. أقول: أنا مُضطرة، لدي واجب لدي عمل، لماذا تنتظرني على الطعام لمَ لا تأكل؟ تجيب لست جائعاً (ولدي أنا الأم التي كانت تنتظرك)، تنتظر وقع صوت قدميك..، طرق الباب، ونداء أمي، ورميك الحقيبة على الأرض وسؤالك عني؟؟.

صعبٌ عليّ فراقك، مؤلم غيابك، قاس هجرك لأمّك، استقبل النّاس المواسين أُحدّثهم وأنا فرحة أخبرهم عنك، ولو كنت تتكلم لقلت أمي ألا تملّين الحديث والخطابات؟؟ أقول يا قُرّة عين أُمّك لا أملُّ ولا أتعبُ من الحديث عنك، عن الشهداء، عن الشهادة، عن واجب الدفاع، ولو عدت اليوم وأنت الأغلى على قلبي لقلت لك عُدّْ يا ولدي جاهد المنافقين دافع عن دين الله، عن حرم رسول اللهP، عن حرم عليِّQ، عن فاطمة المظلومةO، عن الحسن المسمومQ، وعن الحسين الذبيح العطشان وعن زينب(ع). نعم يا ولدي، هي مولاتي لأهل البيتR، وَحُبِّي زينبO، عُذراً منك مولاتي هذه الدموع تتساقط رغماً عني، سامحيني، فأنا أرى أن فداء ولدي في سبيل الله تعالى هو القليل القليل أمام ما قدمتموه وما جرى عليكم يا مولاتي أنا خجلة منك سيدتي مما فعل بكم أعداء الله في كربلاء، كيف استطاعوا؟ كيف تجرأوا عليكم؟ والله أنعم على ولدي وعلى الشهداء أنّهم لبّوا نداء الحسين وقاتلوا أعداءه واستشهدوا بين يديه، نعم يا مولاتي أنا على يقين من ذلك، أنّ الحسين جاء إليهم مسحَ الدم والتراب عنهم، كما فعل مع أصحابه يوم العاشر من محرم فأسلموا الروح بين يديه سُعداء فرحين مُستبشرين.. أعود إليك يا ولدي وأقول مباركٌ لك شهادتك. إنك يا حبيبي تستحقها وأنت أهل لها وهي تليق بك سأكتوي بنار الفراق ولكني سأصبر وأحمد الله على أنّك مضيت مُنتصراً على اعدائك، أُمّك صابرة سعيدة بما جرى عليك مُنتظرة الإلتحاق بك، وما زال عندي ستة أبناء وبنات لا فرق بين صبيّ وفتاة، أنجبتهم لهذا الطريق فقط ولا شيء سواه، لكي يعيشوا مُجاهدين مُدافعين عن دين الله ورسوله وأهل بيته ويرحلوا شُهداء سُعداء مُضرِّجين بدمائهم.. في أمان الله يا ولدي على أمل الإلتحاق!!