العلاّمة السيّد غازي محمد الحسينيّ واستعادة الدين إلى حياتنا الإجتماعيّة

15/4/2016
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

إعداد حمادة علي عمرو

فقدت بلاد جبيل وشمسطار والضاحية الجنوبيّة وقضاء صور العلاّمة الفاضل السيّد غازي محمد الحسينيّ عن عمر ناهز السبعين عاماً قضاها في طاعة الله تعالى والتبليغ الدينيّ بالكلمة والموعظة الحسنة. حيث شُيّع إلى مثواه الأخير في روضة الشهيدين وووري في الثرى قرب ولده الشهيد السيّد محمد ذلك عصر السبت الواقع في 20 شباط 2016م. وقد تكلّم في المناسبة العلاّمة الشيخ علي خازم عضو مجلس الأمناء بتجمع العلماء المسلمين حيث قال:

السلام عليك يا سيّد غازي … أيها الراحل كما عشت بدون ضجيج زائف وغير متأخر عن موعد ليقام لك.

بلى يقام لك، يقام لطُهرِكَ، يقام للبراءة في عينيك وللصدق في حديثك وللأمانة في حفظك عهود الأخوَّة والصبر والكفاح والجهاد والشهادة.

السيّد غازي الحسيني شريك في مسيرة استعادة الدين إلى حياتنا الاجتماعية وهو من دعامات تاريخ الإحياء الديني في لبنان. هذا النازل إلى بيروت من الجبل في أُسرة مشغوفة بالتدين عرفته في سبعينيات القرن الماضي وتعرفت إلى أخويه الأكبر المرحوم السيد عبد الله والأصغر المرحوم فضيلة السيّد علي. اشترك بداية الحركة الدينية في أكثر من موقع، في مسجد الشياح وفي مسجد الإمام زين العابدين عليه السلام في الغبيري. شارك في الحركة الثقافية والمطلبية التي أطلقها الإمام المغيب السيّد موسى الصدر وحضر في مجالس العلماء مُحصّناً لدينه ومتعلماً على سبيل النجاة، وكان حاضراً في ما وسعه من أنشطة. واشترك نهاية في أكثر من هيئة علمائية عضواً في تجمع العلماء المسلمين في لبنان وفي اللقاء العلمائيّ في بيروت.

عندما قرر رحمه الله التفرغ لطلب العلوم الدينية مُعرضاً عن وظيفة الدولة كان يريد استكمال نفسه لنفسه أولاً وليسير بهدى على طريقته في الدعوة والإرشاد، وكان في ذلك مُوفقاً وسيذكره الكثيرون ممن أعادهم إلى الصراط المستقيم والخلق القويم، كان مُبادراً إلى النُصح والإرشاد ومحاوراً لبقاً ومُنصتاً واعياً ومجيباً عاقلاً وَمُحدّثاً سلساً، كان متواضعاً في كُلِّ شيء يحترم كل أحد مهما كان شأنه وخصوصاً مع المستضعفين.

ذكَّرني ارتحاله بعد أيام من ذكرى الشهداء القادة بعلاقته بسيّد شهداء المقاومة العلاّمة الشهيد السيّد عباس الموسوي وبقائد الإنتصارين الشهيد الحاج عماد مغنية بحكم الجيرة من جهة وبحكم النشاطات المتمركزة بين الشياح والغبيري في تلك المرحلة من البدايات.

يرتحل أبو الشّهيد ويترك لنا أمانة الترّكيز على مفهوم الشّهادة بنوعيه وشكليه: الشّهادة لله عزّ وجلّ والشّهادة في سبيله لنصنع بوعي شهداء على طريق الإسلام الخالص كما صنع في بيته وفي محيطه. قدم سيدنا الراحل ولده البكر « السيد محمد علي » جريحاً مُتميزاً في هذا الطريق أثناء اقتحام موقع سُجد عام 1997 ثُّم شهيداً عام 1998 بعمر 22 عاماً. وتخرج على يديه العديد من الجرحى والشهداء.

لم يتأخر عن المشاركة بأي نشاط من أنشطة التجمع وكان حضوره محبباً لدى إخوانه وكان يحب الإجتماع بهم فيبكر في الوصول حتى لو كان في الجنوب.

ولد السيد غازي الحسيني سنة 1944 في بلاد جبيل وتركها مع والده الذي كان مُوظفاً في سلك الدرك. وبعد أن شارف على إنهاء دراسة الشهادة التكميلية انقطع عن إكمالها وانصرف إلى وظيفة في الدولة ثم تركها وتفرّغ لطلب العلوم الدينية سنة 1981م. في معهد الشهيد الأول فدرس على يدي ثلة من العلماء الأعلام منهم الشيخ حسن عبد الساتر، والشيخ عبد الأمير شمس الدين، والسيد علي الأمين، وفي سنة 1990 تفرغ للإرشاد الديني وارتحل إلى «وادي جيلو» في جبل عامل حيث أسرة زوجته من آل خازم، واستقرَّ في تلك البلاد يقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وكتب عنه أيضاً، الإعلاميّ السيّد منهال محمود الأمين:

رحمة الله عليك يا سيّدنا الطاهر الودود.. رأيته منذ حوالي اسبوعين يجلس في كافتيريا المستشفى ومع أنّه لا سابق معرفة متبادلة إلا أنني اقتربت منه وسلّمت واخجلني أنه وقف لرّد السلام ودعاني للجلوس معه ولكنني كنت في عجلة من أمري... أشعر الآن بالندم فعلاً إذ لم أُكلف نفسي عناء سؤاله عن سبب وجوده في المستشفى... رحمك الله يا سيّد وجمع بينك وبين ولدك الشهيد في جوار مُحمّد وآل مُحمّد.

المحدّث اللبق والداعية المتجول

كما كتب عنه العلاّمة الشيخ محسن عطوي الكلمة التاليّة:

ذلكم هو الراحل المرحوم فضيلة السيّد غازي الحسينيّ الذي عرفته في أواسط سبعينيات القرن الماضي واحداً من أوائل الشباب المؤمنين في منطقة الشياح، يرتاد المساجد ويحضر الندوات والإحتفالات والسهرات، ويشارك في الحوارات، متميزاً بحماسه الهادئ، حديثه الشيق، وبيانه الواضح السلس، وأفكاره المنسجمة مع تطلعات المؤمنين المستنيرين، وخلقه الرضي وبشاشته المشرقة، وقد دفعه حماسه لنصرة التطلعات الإسلاميّة أن يتخلى عن وظيفته الحكوميّة ويتوجه لطلب العلوم الدينيّة، فصار أكثر قُدرة وحضوراً وتأثيراً.

ورغم التزامه إمامة بلدة وادي جيلو في منطقة الجنوب، فإنّه كان كثير التجوال، وقد أخبرني أنَّه كان يحرص على التنقل بوسائل النقل العامة رغبة منه في استغلال فرصة طول الطريق في توجيه وافادة رفقائه في السفر ومحاورتهم في قضايا الدين بأسلوب شيق محبب.

إنني، أمام خبر رحيله اليوم، أحببت أن أفيه بعض حقه عليّ، حيث عرفته أخاً عزيزاً وصديقاً حبيباً، على مدى أربعين سنة ما سمعت منه إلاّ خيراً وما رأيت منه إلاّ جميلاً.

فرحمك الله يا أخي يا سيّد غازي برحمته الواسعة وأسكنك الفسيح من جنته وحشرك مع جدك النبيّ وآله الأطهار.