حرية المرأة و النفـــــــــــــــــــــس

25/11/2019
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم مستشار التحرير د. عصام علي العيتاوي

النفس مؤلفة من قسمين، المزاج أولاً، بمعنى امتزاج النطفة من الرجل مع البويضة من الأنثى وبداية الالتحام بدم التغذية في رحم الأم. وكلا المزاجين يعود بتركيبه الأصلي الى الأرض، الذي مصدره المادة.

وفي المرحلة الثانية، انبعاث الروح فيه، المعبّر عنها بقوله تعالى: « ونفخت فيه من روحي»، النفخة الأولى، التي تتكرر مع كل مخلوق، ذكراً كان أو أنثى، كمشروع استخلاف في الأرض، يتعين تكليف أحدهما حتى على الآخر، لأنه ينبغي للأحدية ان تكون على مثال الأحد في الإدارة والتكليف، لا في الأمر الواجب الذي يسلب الإرادة. فكما ان الله لا يريد للإنسان ان يعبده قسراً، على الرغم أنَّه هو خالقه، كذلك المرأة (حواء) غير مجبورة قسراً ان تطيع آدم أبانا الأول، إلا بملء إرادتها، بشكل يتم التعامل بينها وبين زوجها، في عمارة الأرض من جهة، وتكامل الأدوار، بين ما هو داخلي (البيت) وخارجي (الطبيعة).

وكل من هذين المكونين يلزمه العمل بشكل يدعو الى التفكّر والتدبر والانتظار للمواسم والمكوث في مكان جغرافي يستوفي، كل مقومات الحياة البدائية للأسرة الكونية الأولى، في تاريخ العالم، في زمن لا يوجد غيرهما فيه. وهذا يتطلب الحد الأدنى من الانتاج على صعيد المعيشة، بما يكفل لهما الاستمرار في الحياة، ومواجهة صعابها. وأول شيء ينبغي على آدم فيه، ان يبني البيت ليأوي وزوجه إليه، في شتى انواع المتطلبات، إن من حيث السكن وحركة في تواصل أو النوم بعد التعب، بشكل لا يزعجه حيوان عابر، أليفاً كان او مفترساً، ولا يضره ماء منهمرٌ او جارٍ، ولا شمسٌ ولا رياحٌ. إذ أصبح المسكنُ والسكنُ أمراً ضرورياً، بل واجباً عينياً، يجعله يفتش عن بناء بيت أقرب ما يكون الى السهل منه، وهذا يتطلب منطقياً اختيار المكان العالي عن السواقي وممرات الانهار والجداول شتاء، حتى لا يخرب لأدنى طارىء. وهذا ما دعا آدم t الى التقيد بالصحف التي زوده به تعالى، كمقدمات لحفظ نفسه وجنسه ونوعه والاستفادة ممّا خُلق له من المخلوقات، مع معرفته لما يفيده ويضره من النباتات والاشجار المثمرة المحيطة به.

ولا شك جراء هذا الأمر، من أن يختار آدم سلام الله عليه، المكان العالي القريب من السهل، المكون طبيعياً ممّا صُنع من فجاج وكهوف، فيقوم بتسوية أمرها بما يضمن له صدّ كل عدو عنه، من حيث بقية المخلوقات التي بدورها ألهمها تعالى ان تحافظ على وجودها، الذي هو خدمة لآدم وزوجه، من حيث المأكل والملبس والتنقل، وحمل ما ثقل عليهما الى أماكن قريبة او بعيدة. هذا ما أشار اليه تعالى في آياته الكثيرة الدالّة على المقصود منه: }وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{.(١)

وبنى آدم البيت، بعد ان صمم له شكلاً، وساعدته حواء بذلك، لأنه لهما، هو في البداية المسؤول عن التصميم، لأسباب تتعلق بالبنية أولاً ومن ثم العقل المدبر، لأن حجارة البيت مختلفة، ويظهر لنا ذلك من آثار ما تبقى من بيوت الأجداد القدماء، من أن العتبة لا يمكن للمرأة نظراً لضعف جسمها وأنوثتها ان ترفعها، فكان ذلك العمل من اختصاص آدم الذي منحه الله قدرات عضلية تتوافق مع مهمته في الحياة، حتى يحافظ أولاً على نفسه ومن معه فيصون البيت ومن فيه، وتتحقق عملية المساواة الطبيعية كل وفقاً للمعطيات التي خصه الله تعالى بها. وبذلك كانت الأنثى رحماً يرحم ما دُفع اليه، جدار عملية الوصال، فيحفظه في ركن متين الى يوم الوقت الموعود. ليخرج طفلاً يتربى بين يدي وأحضان أمه، في المرحلة الاولى من حياته، وهي في ضعف كبير بعد ولادته ويلزمها الراحة والخدمة، التي وفرها في وقتها أبونا آدم لها حباً بها وبمولودها مشروع مواصلة عملية الخلافة والاستخلاف في الارض، على هذا النسق من التواصل.

فالخدمة التي قدمها آدم t، تعلقت أولاً بخدمة الأم وسكنها وولدها، الى حين عودة قوتها إليها بعد ولادتها، لتعاود معها حياتها الطبيعية وكل ما تستلزمه متطلباتهما في العيش الكريم بالحد الممكن والمستطاع، اللذين كانا يسعيان الى تحقيقه للحفاظ على نفسيهما والمولود في ربيعه الاول من طغيان البيئة والطبيعة وبقية المخلوقات، الحشرات منها والأليفة والمفترسة، كانت الحكمة تقضي بقاء الام الى جانب وليدها حتى يشتد عوده. وتستمر العناية، ببقاء عمليات الولادة، وتزيد المسؤولية مع الطفل الآخر، وهكذا طرداً، كلما تطلبت المعيشة حاجات اكثر، ما يُلزمها الى الملازمة الدائمة والعناية الكاملة، خاصة بعد نضوج الأبناء ووصولهم الى مراحل القوة. ومن ثم زواجهم الذي يستدعي الاستفادة من مزيد الخبرة، التي وصلت اليها الام في عمليات زواجهم وانجابهم وتربيتهم والحفاظ على الكيان الجسدي والروحي والبقاء، على الرغم من الظروف الصعبة التي يبتلى الناس بها جراء العوامل المختلفة التي تصادفهم، أمام ما يريدون ويسعون الى تحقيقه.

من هنا كان عمل المرأة أولاً، الرعاية العامة للأبناء والمسكن وتأمين الحاجات الضرورية لهما. وهما بالوقت ذاته يقعان ضمن إطار مسؤولية الأب «آدم»، الذي أولاها طبيعياً وسلمها هذه الأمانة العظيمة، التي قامت بها حواء أمنا، فشملت الثلاثة معاً، الزوج، الأبناء، المسكن، مع ما يتطلب ذلك من تضحيات كبار أثناء مسيرة المسؤولية، التي تصطدم أحياناً، بالسهر والجهاد وتأمين الحاجات والرضاعة اولاً واخيراً كمصدر أساس التغذية للأجيال اللاحقة.

وبذلك انتظم العمل طبيعياً، في تلك الظروف البدائية، بداية التكوين الأول للأسرة العالمية في الأرض، عمل داخل البيت بكل متطلباته في المرة الثانية من الولادة على الأم، وعمل خارج البيت بكل متطلباته قبل الولادة وبعدها على الأب. في جلب المصلحة والمنفعة للأسرة كلها، حيث لم يكن إلا آدم عليه السلام وزوجه وأولاده. من هنا يبدأ التقسيم الأول والطبيعي لمهام كل من الأب والأم والإبن.

وما يلفت ان الغايات قد حققت وقتها مسيرة الاستخلاف والخلافة، جراء التوزيع الهادىء والمقنع للكل بدوره، بما يؤمن الحياة الكريمة والتفاهم المثمر للوصول الى غاية وجود الانسان في الحياة، ومن ثم الى إجادة دوره المبني على إرادة الاختيار، لا القسر، وتبقى النظرة الأفضل والأقوى للإنسان اليوم، أن يتماثل مع جدَيه الأولين (آدم وحواء)، من ان تقسيم العمل، يبقى في نهايته القصوى خدمة النفس، لا للإستعلاء والأمر والنهي، لصالح الأمور الشخصية، التي لا يريدها الله إلا لخدمة الإنسان والإنسانية. وبذلك تتحقق المساواة الحقيقية بين ابناء الجنس الواحد من البشر لا بما تدعو اليه الحضارة اليوم في مختلف دعواتها ووجوهها ومذاهبها، من اخراج المرأة من بيتها تحت ذرائع شتى وأسباب واهية، ظاهرها ارجاع الحرية اليها وعدم استغلالها من قبل الرجل، وباطنها فيه تعرية المرأة وتجهيلها عن دورها الأساس في صناعة الإنسان القيمي، إلى انتاج المادة الفانية، وتستراً بإعطائها كامل حريتها الفردية في الممارسة المفتوحة واللامسؤولة للجنس، واستغلالها كمجرد سلعة، تضاف الى تسويق المادة بمختلف مكوناتها واشكالها، من صناعة الألبسة، والمنتوجات الغذائية، الى الآلات الالكترونية، فلا بد مع الكل من وجود صورة للمرأة بجانبهم شبه عارية او اكثر، لإلفات النظر والتنبه إليها، والابتعاد عن كل معقول يمكن للمرأة أن تساهم في جعله وخلقه ليكون سبباً في فهم علل الأشياء، حيث تكمن الحكمة من خلق الإنسان. أَيقبل عقلك أيتها المرأة ان تكوني كذلك، وانت تملكين كل الحرية والإرادة والنوايا الحسنة على أن تكوني اكبر من ذلك؟؟.

 

الهوامش:

سورة النحل، آية ٧