كلمات مفاتيح في المعرفة النفسية

9/10/2017
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

كلمات مفاتيح في المعرفة النفسية

 الحلقة الثانية

بقلم مستشار التحرير الدكتور عصام الحاج علي العيتاوي

أولاً: لماذا المعرفة النفسية وليس علم النفس: كتبت في مجلة «اطلالة جبيلية» في العدد السابق رقم (28ـ 29) مقالة تحت عنوان: مدخل إلى المعرفة النفسية. ولمّا تلّقيت بعض الملاحظات عنها بأنها علمية بحتة وتقتضي بعض التبسيط حتى تعمَّ الفائدة أكثر المعنيين بالشأن الثقافي في المجتمع، وجب عليّ تلبية من لهم فضل النقد في إعادة صياغة هذه المقالة.

لذلك أعود هنا لأبيّن الفرق باختصار، ليُعلم لماذا اخترت تحديد النفس، من خلال معرفتها، لا من خلال علمها وللبيان:

فالمعرفة تقتضي كما جاء في نص سقراط الفيلسوف اليوناني الذي قال: أعرف نفسك بنفسك. وهذا الشعار ما زال مكتوباً على معبد دلفي في اليونان حتى يومنا هذا.

وليس من الصدف ان يقول رسولنا مُحمُدw، من عرف نفسه فقد عرف ربّه. وهذا القول الذي يأتي من النبيّ الخاتم w، يتوافق مع الفيلسوف اليوناني، فهل هذا من الصدف؟ أو أنه توافق القرائح المعرفّية، مع الوحي المنزّل من عند الله؟.

وبلا تردد أعتبره من المسالمات عند العقول البشرية الواعية، ان تنظر الى النفس نظرة واحدة، يأتي التعبير عنها بعد الروية. منطوقٌ عقليٌ دالٌ على معرفة نوعية النفس بأنها لا تقع تحت اطار الحس أي ليست من المحسوسات حتى تُعلم. وهذا المنطق هو ما يعتمد عليه الفكر الغربي اليوم، الذي يعتبر أنَّ كُلّ ما لا يقع تحت اطار التجربة فهو غير موجود؛ لأنّه غير ملموس. وهذه الأقوال الثلاثة تتلاقى حول مبدأ واحد هو عدم علمية ومحسوسية النفس، لكنّه من حيث المعنى والوجود النفسي فيهما اختلاف، كيف تضمّن قول سقراط والرسول محمدw، المعرفة على أنّها موجودة. بينما العلم الحديث يقول بعدم محسوسيتها، فإذاً هي غير موجودة. وهذا ما يتفق مع ما أسماه الغرب لهذه النفس، عندما جعل مادتها تُدرَّس في الجامعات تحت عنوان «علم النفس» وهذا مخالف واقعاً لاعتباراته عن النفس بأنها لا تخضع للتجربة وبأنّها غير موجودة، وهذا النقد الأوّل، لما يسمى في الدراسات الجامعية بعلم النفس، بل من الصحيح أن نطلق على مادة تعليم النفس، المعرفة النفسية. كما جاء عند سقراط الحكيم، والحكيم العليم الرسول الكريم الذي لا ينطق إلا عن وحي يوحى.

ثانياً:

هناك بعض المصطلحات والمفاهيم الواجب شرحها بشكل بسيط، حتى يعرفها من يحاول الخوض في هذا المضمار ومنها ما يأتي :

1 ـ الأحاسيس بالجمع أو الإحساس بالمفرد:

في المبدأ الإحساس بأي شيء يُطال الظاهرة الخارجية الموجودة في كل ما تقع عليه حاسة، من حواس الإنسان الخمس، فيدركها من حيث الشكل، وهو دور العين، او من حيث الصوت وهو مسؤولية الأذن، او من حيث الذوق وهو من مسؤولية اللسان ... وهكذا حتى بقية الحواس. وهذا العضو بدوره ينقل الصورة أو الصوت أو الرائحة أو نوعية الملمس الى الدماغ، وفق آلية دقيقة، لا حاجة لشرحها هنا بالتفصيل ... وبعد عملية التفكير بما ورد الى الدماغ يدقّق ويطلق الحُكمَ بما يملك من معلومات سابقة على هذا الشيء المُعيّن، ويُعلم العضو المذكور بذلك، فيعرف الإنسان ويدرك ماهية الشيء الذي يصادفه وهكذا ...

فادراكنا للعالم الواقعي المحيط بنا يتمُّ بهذا الشكل، من طريق الحواس وتحليلها. والنفس تعتمد بحوالى 50 % من معلوماتها على هذه الإدراكات، وبواسطتها تعرف وتعلم وتدرك كل ما يحيط بها على قدرها، وهذا ما يؤثر تأثيراً إيجابياً على سلوك الإنسان في الحياة، وقدرته على حلِّ اشكالياته ومشاكله الإجتماعية وغيرها، جراء تمعّنه في القضايا التي تواجهه في كل يوم من حياته.

والأحساس بالشيء يتبلور لصاحبه، بشكل طردي وأفضل كلما كانت قدراته العقلية أنشط في عملية التحليل والوصول الى النتيجة بشكل أسرع وأدق. وهنا تكمن الأهمية القصوى لحركة العقل في استيعاب المُعطى المحسوس غير المعروف وتحويله الى معلوم، وهذا من شأنه أن يضاف الى المعلومات والمعارف الشخصية الفردية، لكل فرد من أفراد المجتمع، ما يجعله يميل الى الأشياء الحقّة، ويفضلُّها على سائر القضايا التي يأمر العقل بتركها. وهذه الميزة كلما كثرت عند الناس، يصبح العيش في ما بينهم أفضل، وهو المطلوب، الذي يسعى إليه كل صاحب عقل.

2 ـ الشعور: من شعر بالشيء، والشعور في الغالب، يأتي من داخل الإنسان، ويمكن التعبير عنه منطقياً بالعلم المكنون في الإنسان الذي لا يحتاج صاحبه فيه الى مُعلّم، كما أنّه لا يحتاج الى دليل. وقولنا فيه يعبّر عن حقيقة لا يعلمها غيرنا، مهما أُوتي من القدرة. كشعورنا بالجوع أو العطش أو لقضاء حاجاتنا، أو الإنباء عن أوجاع أو أعراضٍ مرضية تَلمُّ بنا ... والتي تعتبر جميعها من الدوافع والمدركات الداخلية، التي تدعونا الى الإشباع أو الترك، عبر تحركاتنا سلوكياً لقضاء كل منها في وقتها المُعيّن. لنحقق الرغبة المطلوبة.

وفي هذا الإطار، الذي يحقق به الإنسان ما يريده، في الإستجابة لإحساساته وشعوره، يمكن من خلال سلوكيات الوصول الى مآربه أن نعرف مدى سلامة مفاهيمه من خلال تعبيره عنها، أو عدمه. إذا كان مُحبّاً للخير أكثر منه للشر أو العكس من ذلك. وهذا يدعونا الى التعرف على مصطلحي المعلومات والمفاهيم وبيانهما بإختصار أيضاً.

أ ـ المعلومات: هي كل الأشكال العلمية والمعرفية والثقافية التي يتوصل إليها الإنسان، من خلال ما يصادفه خلال مراحل عيشه: البيت، المدرسة، المجتمع، حتى وفاته، فهو يزداد معرفة كلما تعرّض لحالات جديدة، وكلما كَثُرت هموم الحياة عليه الى ما هنالك ...

ب ـ المفاهيم: هي عبارة عن ربط الواقع مع المعلومة التي تعلّمها أو عرفها في الشأن المعيّن، كل على حده، بمعنى كلّما تقيدنا بما نعلم عملياً، كلما كانت سلوكياتنا أفضل، وكلما كانت سلوكياتنا مرتبطة بمعلوماتنا ونفذناها حرفياً، فالتنفيذ يحوّل المعلومة الى مفهوم، يقيدنا في كل تصرفاتنا من تلبية غرائزنا وفق العقل، وقضاء حاجاتنا وفق العقل أيضاً. وهذا ما يسعى الدين تنظيمياً الى تحقيقه في الواقع المعاش بكل المجتمعات البشرية. وعلى أساسه يسود الأمن والعدل والمساواة بين الناس، بإعتبار أن الرسالة الخاتمة الرّبانية، جمعت كل الكتب السابقة ضمنها، من أجل سعادة الإنسان في الدنيا وبعد الموت في الآخرة.

وكنتيجة نهائية: فالإحساس والشعور والمعلومات والمفاهيم بقدر عقلنتها وكيفية ادارتها من قبل الفرد منا للصالح العام، ومنه النفس، تستحق بكل جدارة هذه الكلمة الحضارية (الإنسان). وباليقين أجزم أنّه مهما سعت العلوم الإنسانية برمتها الى دراسة النفس من طريق التفكُّر والتدُّبر والاستنتاج والاستنباط، من خلال مظاهر الحياة وسبر أغوارها، من خلال التجارب، لن تستطيع ذلك، إلا من خلال الإنخراط بالتعرف إليها من مصدرها الأساس والحقيقي، ومن ينبوعها الصافي والأصيل، عن الله سبحانه وتعالى من كتابه العزيز أي القرآن الكريم، والسُنّة النبوية الشريفة، وتأويلات الأئمة من أهل بيته، سلام الله عليهم أجمعين. وذلك لإعتبارات شتى، وفقاً للجدول الآتي، الذي يتضمن هذه الفروقات ما بين النفس التي تعني الحياة؛ لأنها لا تموت، والجسد الذي يعني الموت، الذي يعني عودته إلى التراب لفترة زمنية وفق مشيئة الله. ثم يعود ليتّحد مع النفس من جديد، يوم الحساب.

فروقات بين النفس والجسد:

النفس/ الحياة

االجسد/ الموت

بسيطة

مركب

باقية بعد الجسد

فانٍ بعد النفس

لها أعمال جديدة

يتوقف عمله

تصبح أقرب الى العقل

يصبح أقرب الى التراب

تحنُّ الى أصلها

(العقل)

يحنُّ الى أصله

(التراب)

نية العمل فيها

تظهر من خلاله الأعمال

الحساب على النيّة النفسية

الغلط بالعمل قابلٌ للعفو

تعرف نيتها مع الله

(باطن)

لا يعرف ماهية العمل

(ظاهر)

الحساب الحقيقي عليها لأنها القصد الى الفعل

الخطأ في التنفيذ قابل المغفرة لأنه غير مقصود بالفعل

تُثابُ دون القيام

بالعمل

لا بد من العمل من أجل الثواب

 

النية خير من العمل؛

لأنها 100%

عمله أقل أجراً ( المراءاة ) تحت 100%

 

آمرة

مأمور

مُحِّركة

تتلقى الوحي من الله

مُحرَّك

يتلقى الأمر من النفس

غذاؤها التسبيح

غذاؤه الطعام والشراب

صورتها أنقى

بعد مفارقتها الجسد

صورته أقبح

بعد مفارقته النفس

يبقى الأنس فيها دائماً

يفقد الأنس وينفّر من حولَه

تعود من حيث إنبثقت

(العقل)

يعود من حيث أتى

(الأرض)

جوهرها أفضل من الجسد

جوهره أقل من النفس

علمها بنفسها

(ذاتي)

علمه من النفس

(عرضي)

هي ربّان الجسد

هو سفينة النفس

قائدها العقل

قائدته النفس

جوهرها روحاني

جوهره مادي

لها خطابها: أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية

له خطاب: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً اخرى

 

كما يمكن زيادة العديد العديد من الملاحظات الدالّة، عندما نميّز من خلال الملاحظة والحديث، عن الصفات الذاتية للنفس، وعن الأمور العَرَضيّة، التي يمرُّ بها الجسد، من خلال تكونّه في رحم أمه، ومراحل حياته منذ الولادة حتى الموت، أي من بداية وجوده ضعيفاً لا يمكن له الحياة إلا برعاية متواصلة حتى بلوغه أشده، ثم عودته إلى ما كان عليه أولاً، حتى لا نقول إلى أرذل العمر، لمن لا يتقي ربّه حق تقاته.

ثالثاً:

ويمكن من خلال المثلين: أولاً وثانياً أن يتبيّن لنا مدّعى المعنى بأنه: كل ما لا تدركه الحواس بوجه، لا تتخيله الأوهام، وما لا تتخيله هذه الأوهام، لا يمكن أن تتصورّه العقول. وإن كان ليس معقولاً، فإنه لا يمكن برهانه، بإعتبار البرهان ذاته، لا يكون إلا من نتائج مقدّمات نصية ضرورية أُخذت من خلاصات عقول سابقة تراكمية، والأشياء التي هي من أولى المقدّمات، التي درست، ووصلت إلى نتائج معتبرة، إنما هي بمثابة كليات من أنواع وأجناس كان قد توصل إليها علماء وملاحظون سابقون بواسطة الحواس. وهي وسائل معرفية تدخل في إطار الحكم المعرفي للعالم بأجمعه، والذي يزداد في كل آن، بطبيعة الحال جراء العلوم وتطورها عبر الزمن، وهكذا يستفيد المتأخرون من المتقدّمين، ويواصلون البناء من حيث انتهى أسلافهم. فتزداد المعرفة ويعمُّ الكون الفائدة المرتجاة.

 

الهوامش:

1.     (1) أي نفس النبيّt.