تربية وتعليم - أقنعة الظلم

4/1/2016
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم: المربيّة الحاجة نمرة حيدر أحمد(أم مصطفى)

الظلم.. ما أقساها من كلمة وما أعظمها من فعل، هذه الكلمة التي سارت عبر التاريخ كمسير النار في الهشيم، تحمل معها حكايات وقصصاً تدمي القلوب، وتدمع العيون، وتوجع الضّمائر.

للظلم ألوان وأشكال: منه الظاهر كضوء الشمس، تبصره العيون، وتحاربه النفوس الأبية الطّاهرة الساعية لاحقاق الحقّ قولاً وعملاً، وتلعنه الالسنة والقلوب.

ومنه المستتر بزي الطّهر والعطف والاحسان، وحسن السيرة وطيب الخلق، وهو الاكثر شراسة وانتشاراً، والأشدُّ تأثيراً وخطراً على نفوس البشر والمجتمعات. لأننا لا نراه، يُخفي مظاهره كالحرباء، يغير لونه حتى لا نميزه، فتختلط عند ذلك أمامنا الصّور وتلتبس علينا الأمور، وهنا نقع في المحظور.

فكم من ظالم بحجّة مساعدة الناس يحرمهم منازلهم، فيشتري تعبهم، ويسخّر نفوسهم وأعمالهم لخدمته، وكم من ظالم بحجّة التربية والتوجيه، يقسو على زوجته وأبنائه فيربّي في نفوسهم العقد النفسية التي يصعب حلّها فتهتز شخصياتهم منذ الصغر.

كم من مُربٍ ومُعلمٍ بحجّة التربية والتعليم حرم الكثير من الطلاب من أن يكملوا دراستهم، وأن يكتسبوا لذة العلم الحقيقية ليشاركوا في صناعة المستقبل.

الظلم من أبشع صور الحياة لأنه يحوِّل السعادة إلى جحيم والنعمة الى نقمة، والمحبة الى كره، والسلام الى تمرد و ثورة.

حاولوا أن تُرّبوا أنفسكم وأبناءكم على الرحمة، لأنها ركيزة الحياة ومن دونها يفقد الوجود قيمته ومعناه.

أنت أيها الأب كن رحيماً مع أبنائك، حاورهم، ناقشهم، فالصّمت في غير وقته لونٌ من ألوان الظلم، والحوار البناء الهادف معهم رحمة، فصمتك قسوة وبعدك عنهم وعن أحلامهم وقلوبهم ظلم مستتر، لا يكفي أن تقدم لهم حاجاتهم من المأكل والمشرب والملبس فهذا واجبك، ولكن أن تقدم لهم الحُبَّ والعاطفة هو المأمول منك، إسع لتبني في نفوسهم القيم المبنية على الرحمة والحُبَّ والعطاء.

وأنت أيتها الأمّ فغذاء البطون، ونظافة البيوت لا تبني وحدها النفوس، فلتكوني حجر الأساس في بناء شخصيات أبنائك، فالصراخ والشتم والضرب شكل من أشكال الظلم، إهمالك لواجباتك، وانصرافك لوسائل اللهو والترفيه هو ظلم تزيّا بزي الأمومة التي انحرفت عن دورها الذي أعدَّه الله لها.

أما أنت أيها المعلم فإن لم تحصّن نفسك بالرحمة والحكمة فستكون مرتعاً صالحاً للظلم بأشكاله وألوانه، كن القدوة لطلابك، وتذكر أنهم أغراس صغيرة تستطيع ان تشكّلها كما تريد، وتشذبها كما ترغب، فحاذر أن تكسرها بلحظات غضبك، وتنزعها من جذورها بسوء تصرفك، حاول أن تُحسن تشكيلها كي لا تنحرف عن مسارها لضعف ثقافتك وإهمالك وقسوتك، حذار أن يغزوك الظلم دون ان تدري فتحيا في جحيم الدنيا، وتنالك لعنة التاريخ.

وأنت أيّها المسؤول في أي موقع وظيفي كنت، إنتبه! الظلم ينتظرك على كل مفرق من مفارق حياتك، في اموالك، وأبنائك، وصحتك، وأعمالك. لا تفتح له قلبك ولا تترك له نفسك. أغلق أبوابك ونوافذك وأوصدهما بمحبّة الخالق والناس، وبالقيم الّتي دعاك اليها الله سبحانه وتعالى.

 

لا تستخف بالصغائر، فللناس أعين، والميزان قائم، والتاريخ لن يرحمك، وستترك لمن بعدك ميراثاً ملعوناً على مرّ الزمن.