إطلالة على ملكوت الله - (الحلقة الثانية)

20/04/2015
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم: مدير التحرير المسؤول

 

تمهيد!

إنطلاقاً من قوله تعالى:(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الأفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) سورة فصّلت الآية 53.

وإذا ما قيّض لنا الخروج من حدود الكرة الأرضية على متن مركبة أو مكوك فضائي ونظرنا بإتجاه الأرض لوجدناها عبارة عن كرة صغيرة نسبة الى المحيط الذي تنتمي إليه.(راجع الصورة رقم(1).

عنيت بذلك مجموعة الكواكب مع الأرض التي تنتمي الى المجموعة الشمسية وتدور حولها.

فإذا ما أردنا فهم قوله تعالى:(أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا)(سورة النازعات 27-28) وذلك بشكل علمي ومحسوس بنسبة معينة، فعلينا الرجوع الى الدراسات العلمية المختصة بهذا الشأن(1).

يقول علماء الفلك:(2) إن الأرض تنتمي الى مجموعة الكواكب التي تدور حول الشمس والتي تعرف بالمجموعة الشمسية، وهي تتألف من كوكب عطارد أقرب الكواكب الى الشمس ويليه كوكب الزهرة ومن بعده كوكب الأرض فالمريخ والمشتري وزحل وأورانوس ونبتون إنتهاءً بكوكب بلوتو، فيكون مجموع هذه الكواكب تسعة وبالإضافة الى الشمس التي تدور كل هذه الكواكب حولها يصبح عدد كواكب المجموعة الشمسية عشرة.(راجع الصورة رقم(2و3).

وتمتاز هذه الكواكب ما عدا الأرض بأنها غير صالحة للعيش عليها، إذ لا تتوافر فيها شروط الحياة الضرورية للإنسان كالماء والأوكسيجين وما شاكل ذلك، وأيضاً هنالك مجموعة من الأقمار التي تدور حول هذه الكواكب، فمنها ما له قمر واحد يدور حولها (كالأرض)، ومنها ما له قمران أو ثلاثة وهكذا. وقديماً كان يعتقد بأن هذه المجموعة الشمسية هي مركز الكون، إلا أن العلم الحديث منه أثبت بطلان هذا الإعتقاد.إذ أن المجموعة الشمسية ما هي إلا جزء أو مجموعة من مجموعات هائلة تنتمي بمجموعها الى ما يعرف بالمجرة والتي تحتوي مليارات النجوم من ضمنها الشمس.(راجع الصورة رقم(4).

والمجرة التي تنتمي اليها المجموعة الشمسية ومنها الأرض تسمى بمجرة درب التبانة.(راجع الصورة رقم(5).

ومجرة درب التبانة أو درب اللبانة هي مجرة لولبية الشكل تحوي ما بين 200 الى 400 مليار نجم ومن ضمنها الشمس، ويبلغ عرضها حوالى 100 ألف سنة ضوئية وسمكها حوالى ألف سنة ضوئية، ونحن نعيش على حافة تلك المجرة ضمن مجموعتنا الشمسية والتي تبعد نحو ثلثي المسافة عن مركز المجرة. وإذا نظر الشخص الى السماء في الليل فقد يرى جزءاً من مجرتنا كحزمة من النجوم، ويرى سكان نصف الكرة الأرضية الشمالي درب التبانة في الصيف والخريف والشتاء. والمنظر في أواخر الصيف أو في مطلع الخريف يأخذ المدى الألمع والأغنى لهذا النهر السماوي وتسمى بمجرة درب التبانة أو طريق اللبانة لأن جزءاً منها يرى في الليالي الصافية كطريق من اللبن يتمثل للرائي بسبب النور الأبيض الخافت الممتد في السماء نتيجة الملايين من النجوم السماوية المضيئة والتي تبدو رغم أبعادها الشاسعة كأنها متراصة متجاورة، كما ترى كامل المجرة من مجرة أخرى على شكل شريط أبيض باهت في السماء. (راجع الصورة رقم(6).

والمجرة هي نظام كوني مكون من تجمع هائل من النجوم، الغبار، والغازات، والمادة المظلمة التي ترتبط معاً بقوى الجذب المتبادلة وتدور حول مركز مشترك. يقدّر الفلكيون أن هناك حوالى مئة مليار الى مئة وخمسين مجرة تقريباً في الكون المنظور، أبعد مجرات تم تصويرها تبعد حوالى 1 الى 13 مليار سنة ضوئية، تتراوح في أحجامها بين المجرات القزمة، التي لا يتعدى عدد نجومها العشرة ملايين نجم وتكون مساحتها حوالى بضعة آلاف سنة ضوئية، الى المجرات العملاقة التي تحتوي على أكثر من مئة وعشرين مليار نجمة وحجمها يصل الى نصف مليون سنة ضوئية. وكذلك، قد تحتوي المجرة الواحدة على أنظمة نجمية متعددة على شكل تجمعات نجمية، وقد تحتشد مجموعة من النجوم لتكون عناقيد أو مجموعات شمسية، وقد تحتوي أيضاً على سُدُم وهي عبارة عن سحب غازية كثيفة. كما أن الفضاء بين المجرات ليس فارغاً تماماً وإنما يوجد فيه غاز بمعدل 1 ذرّة في المتر المكعب.

وتقع مجرتنا (مجرة درب التبانة) في نظام مجري يحوي مجموعة من المجرات يسمى المجموعة المحلية.

وتشمل المجموعة المحلية التي تشغل فراغاً قطره نحو 10 ملايين سنة ضوئية مجرة درب التبانة والمرآة المسلسلة وهي أكبر من مجرتنا و28 مجرة أخرى أصغر منهما.(راجع الصورة رقم(7).

توزيع المجرات

المجرات موزعة بشكل غير متساو في الفضاء. ففي حين يكون بعضها وحيداً وبعيداً نسبياً بسنوات ضوئية طويلة عن أي مجرة أخرى قريبة. تكون مجرات أخرى في أزواج، كل في مدار مع أخرى. ولكن معظم المجرات توجد في مجموعات تسمى عناقيد مجرية (ويجب عدم الخلط بينها وبين العناقيد النجمية). وقد تحتوي هذه العناقيد على مجموعة من بضع عشرات الى عدة آلاف من المجرات.وقد يصل قطر بعضها الى 10 ملايين سنة ضوئية.

والعناقيد المجرية بدورها تتجمع في بنية هيكلية أضخم تسمى العناقيد المجرية الهائلة. وهي موزعة في شبكات عنكبوتية ضخمة.

وهذه الشبكات تتكون من خيوط متشابكة أو أوتار مكونة من مجرات متراصة نسبياً توصل بين عناقيد المجرات. وجدت في بعض تلك التشكيلات مناطق شاسعة كروية الشكل بين تجمعات المجرات وتوجد فارغة خالية من المجرات، تعرف بإسم (voids) أو (فراغات)، تصل أقطار تلك الفراغات بين 200 و300 مليون سنة ضوئية. تحيط بتلك الفراغات تجمعات من المجرات والأوتار. لا يعرف حتى الآن تفسير وجود تلك الفراغات ولا كيف نشأت؟ واحد من أكبر الهياكل الهائلة لتجمعات المجرات معروف باسم السور الكبير (the great wall) يبلغ طول هذا الهيكل 500 مليون سنة ضوئية وعرضه 200 مليون سنة ضوئية، وهو يحوي نحو 2000 مجرة.

طريقة تكون المجرات

لقد وجد العديد من النظريات حول طريقة تكون المجرات، إلا أن أكثر هذه النظريات شيوعاً تنص على أن أصل المجرات هو في الواقع غازات داكنة، تبدأ جزيئاتها في الإحتشاد بفعل قوى الجاذبية في ما بينها حتى تتحول الى غيمة غازية ضخمة. ثم تبدأ الغيمة بالدوران حتى تصل الى الشكل المطلوب.

ويرى الفلكيون إن أكثر من ألف مليون مجرة تقع في مدى الرؤية بالمناظير، وأنها تتخذ أشكالاً متنوعة، كما أن النجوم التي تحويها المجرات تندرج تحت أنماط عامة، وباختصار فإن المجرات الإهليجية (البيضاوية) تغلب فيها النجوم الحمراء المتقدمة في السن، أما المجرات الحلزونية ففيها خليط من النجوم المتقدمة والنجوم حديثة النشأة. أما المجرات غير المنتظمة الشكل فالنجوم السائدة فيها هي النجوم الزرقاء حديثة النشأة. ويوحي ذلك للفلكيين أن المجرات ذاتها قد تكون في حالة تغير ونمو وأن المجرات غير المنتظمة تمثل فيها مرحلة شبابها، والمجرات البيضوية تمثل مرحلة الشيخوخة، وهذا رأي مقنع، ولكن هناك نواحي محيرة في ما يختص بتكون النجوم والمجرات وأعمارها ولا يمكن تفسيرها بالوقت الحاضر. ويرى بعض العلماء أن سرعة سحابة من الغاز وحجمها وكثافتها يمكن أن تحدد نوع المجرة التي ستنشأ عنها، فإذا كانت السحابة كبيرة وكثيفة فإنها تستهلك مادتها النجمية الغازية، وتتكثف بسرعة مكونة نجوماً، ولا تلبث إلا قليلاً حتى تتحول الى مجرة إهليجية (بيضاوية)، أما السحابة الخفيفة الوزن، الرقيقة، التي لا تخضع لنظام، فإنها تنمو ببطء وتحتفظ بجزء من غازها وترابها لتكثفات تحدث في ما بعد. بل إن هناك احتمالاً في أن تكون أطول المجرات أعماراً وأقلها انتظاماً مجرات غير مضيئة في الغالب، أي مجرد نجوم متفرقة حديثة النشأة، تحيط بها غازات قاتمة ورقيقة. والإعتقاد الجازم لدى جميع العلماء هو أن النجوم نشأت كلها في وقت واحد عند الإنفجار الكبير. فسبحان الله الذي قال:( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)(البقرة الآية 117). (راجع الصورة رقم(8).

وحول هذا الإنفجار، يجزم أغلب المختصين على أن الكون ولد منذ ما يقارب 15 مليار سنة نتيجة إنفجار هائل في ما يعرف بإسم (البيغ بانغ). لا أحد يعرف ما الذي حصل حينها بالضبط، لكن من المرجح أن الكون تشكل انطلاقاً من مركز دقيق وجد كثيف ذي حرارة خيالية، وأنه بدأ بعد الإنفجار مباشرة في التمدد، وفي بضع دقائق تكونت عناصر المادة، وبعد ملايين السنين تجمعت المادة لتشكيل أولى المجرات. ينقسم دارسو مستقبل الكون الى فريقين، لكن الأغلبية مع أنه في تمدد، وهنا تبرز نظريتان: الأولى تقول بأن الكون سيتمدد الى اللانهاية، والأخرى تؤكد على أن هذا التمدد محدود وأن الكون سيبدأ يوماً ما في التقلص ليرتكز في نقطة واحدة فاسحاً المجال لإنفجار عظيم آخر.

وإذا ما أردنا تلخيص كل ما مر معنا حول المجرات نقول: أن المجرة هي عبارة عن تجمع لعدد هائل من النجوم وتوابعها ومن الغبار والغازات المنتشرة بين أرجاء النجوم، وهي اللبنة الأساسية في تركيب الكون المكون من مليارات المجرات والتي تتجمع سوياً مكونةً تجمعات مجرية وبناء أكبر ويسمى العناقيد المجرية والتي هي جزء أيضاً لعناقيد أكبر تسمى العناقيد المجرية العملاقة والتي هي الآن أكبر تركيب في الكون، مع أن بعض العلماء يقترحون أن العناقيد العملاقة لربما هي جزء من تركيب أكبر يسمى النسيج الكوني. (راجع الصورة رقم(9).

فسبحان الله الذي قال:( فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (التوبة الآية 129).

وأخيراً تبرز لدينا عدة أسئلة لا بد لكل فرد من أفراد الإنسانية التفكير بها جيداً وهي:

- ما هو حجم الإنسان بالنسبة الى هذا الكون الهائل؟

- ما مدى تأثير هذا المخلوق في هذا الكون؟

- ألا يشكل الإنسان بالنسبة الى الكون الفسيح الذي لا يمكن إدراك كنهه ولا حجمه بالعقل البشري وحتى الصناعي الحديث نسبة ذاك الجزء المركزي من خلية الجرثومة إن لم يكن أقل من ذلك بكثير؟

- ألا يدعونا ذلك الى التفكر في عظمة وجبروت وقدرة الله سبحانه وتعالى؟

- ألا يجعلنا ذلك أن ننتبه الى عدم معصية الخالق جبّار السماوات والأرض؟

- ألا يُلفتنا ذلك الى عظيم شأن النبي الخاتم وآل بيته الطاهرين الذين اصطفاهم ربّ السماوات والأرض دون العالمين؟

يقول تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) (سورة الحديد آية 16).

ويقول تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(آل عمران آية 31).

والحمد لله رب العالمين

 

الهوامش:

(1) مقولة مشهورة بين علماء المسلمين.

(2) مقتطفات مختلفة من مقالات علمية متخصصة، أنظر: ويكيبيديا، الموسوعة الحرّة، مجرّة، الفلك، الكون.