خواطر: غزلٌ بغير غيّ
للوهلة الأولى تحسبها تغزل صوفاً بالعرناس وتنسج من وحي خيالها شكلاً أنموذجياً يعبّر عن دفق المحبة والعشق السرمديّ للخطب بالنسج. حقيقية تلك هي، ليس لها شبيه في الحرف، صنع يدويٌ مبتكرٌ بامتياز وخطٌ له مضاف. فرّق بينهما حرفٌ يفصّل من النسج فكراً وخيالاً، خطّ من كلمات جمعت بحروف ارتطمت بعشق الأبجدية وارتحلت مع زفير القلم تنثر عبقاً من حبره على الورق فوّاحاً، معاً تَرسم لوحات حَرفيّة حرفية فترتقي كأخطوطة عشق وأيقونة سلام. ما أجمل أن تعلم أن بين الهمزة والياء مداد بحار من الكلمات، فيها الكنوز ولذة الحياة وملاذٌ للروح آمنُ. ما أحلاها وأنقاها وما أروع من زكّاها وما أجلّ ممن عزّ وجلّ بعث نبيَّاً بإعجازها، لنا فيها هُدى ونحن أعجز عن مكمن سرّها معرفةً الا ما كان ينقص عن أمر دنيانا وتبقى لتستمر بعد لقيانا. أحببنا الحروف فيها تلتفّ حول نفسها، تغازل بعضها وتعانق من سواها بضمّة أو تثار غضباً فترمي بها مكسورة على كرسي الياء تقعدها. تتلى وترتّل بلحن ونغم، بإيقاع لتعيش فتحيا ونحيا. فكيف يأتي هذا بغير صيد، وهي من تسبيح الطير تستشعر ومن رائحة الصنوبر وعبق الغار تكتب وترسل نثراً لك من شعرها يا بحّار. تلك يدي تغزل بغير غيّ لك عند الأبيات أنوار.
بقلم الأستاذ هيثم عفيف الغداف