من نوادر البخلاء وأخبارهم المستطرفة في كتاب الكشكول(1)

25/3/2019
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

إعداد هيئة التحرير

قال دعبل: كنا يوماً عند سهل بن هارون الكاتب البليغ وكان شديد البخل فأطلنا الحديث واضطره الجوع إلى أن دعا بغداء له فأتى بقصعة فيها ديك جلس حرم لا تخرقه سكين ولا يؤثر فيه ضرس فاخذ كسرة خبز فخاض بها مرقته وقلب جميع ما في القصعة ففقد الرأس فبقي مُطرقاً ساعة ثُمّ رفع رأسه وقال للطباخ: أين الرأس، فقال: رميت به فقال: ولم، قال: ظننتك لا تأكله، قال: بئس ما ظننت والله إني لأمقت من يرمي برجليه فكيف من يرمي برأسه والرأس رئيس وفيه الحواس الأربع ومنه يصيح ولولا صوته لما فُضِّلَ وفيه عرفه الذي يتبرك به وفيه عيناه اللتان يضرب بهما المثل فيقال شراب كعين الديك ودماغه عجيب لوجع الكليتين ولم ير عَظُم قط أَهشُّ من عظم رأسه أما علمت أنّه خير من طرف الجناح ومن الساق ومن العنق فإن كان قد بلغ من نُبلك أَّنك لا تأكله فانظر أين هو قال: لا أدري والله أين هو رميت به قال: لكني أدري أين هو رميت به في بطنك فالله حسيبك(2).

ـ كان رجل من البخلاء يأتي ابن المقفع ولا يزال يَلحُّ عليه أن يتغدى عنده فلا يُجيبه فقال له مرة: أتراني أتكلف لك شيئً لا والله لا أُقدّم إلا ما عندي فظنَّ ابن المقفع إنَّه يقول ذلك تسهيلاً للإجابة فذهب إليه فجاءه بكسر يابسة وملح جريش ووقف سائل بالباب فقال له: بورك فيك فألح في السؤال فقال: والله لئن خرجت إليك لأدقنَّ ساقيك؟ فقال ابن المقفع للسائل: أرح نفسك وَانُج والله لو علمت من صدق وعيده ما أعلم ما وقفت ساعة !!(3).

ـ قال رجل يوماً لسهل بن هارون: هبني ما لا مرزأة عليك فيه!.. قال: وما ذاك يا ابن أخي؟. قال: درهم واحدا قال: لقد هونت الدرهم وهو طابع الله في أرضه الذي لا يُعصى والدرهم وَيحك عشر العشرة والعشرة عشر المائة والمائة عشر الألف دية المسلم ألا ترى يا ابن أخي إلى أين انتهاء الدرهم الذي هونته وهل بيوت المال إلا درهم على درهم !!.(4).

ما قيل في البخلاء من الشعر

رغيف أبي علي ظل خوفاً

من الضيفان في أعلى السماك

اذا كسروا رغيف أبي علي

بكى يبكي بكاء فهو باكي

وقال آخر:

لو ان قصرك يا ابن يوسف ممتل

أُبراً يضيق بها فناء المنزل

وأتاك يوسف يستعيرك إبرة

ليخيط قدَّ قميصه لم تفعل

وقال آخر:

يا أيها الجالس في بيته

من غير ما معنى ولا فائده

قد ضجَّ أضيافك من جوعهم

فاقرأ عليهم سورة المائده

وقال أبو نواس

خبز إسماعيل كالوشـ

ي إذا ما شُقَّ يُرفا

عجيباً من أثر الصـ

نعةِ فيهِ كيفَ يُخفى(5)

وقال آخر:

وجيرة لا ترى في النّاس مثلهم

إذا يكون لهم عيد وإفطار

أن يوقدوا يوسعونا من دخانهم

وليس يبلغنا ما تنضج النار(6)

وقال آخر:

ارفع يمينك من طعامه

إن كنت ترغب في كلامه

سيان كسر رغيفه

أو كسر عظم من عظامه(7).

الهوامش:

(1) الكشكول للإمام السيّد محسن الأمين العامليّ(قده) في ثلاثة أجزاء، منشورات دار المرتضى ـ بيروت ـ الطبعة الأولى 2009م. 1430هـ. وهو مجموعة لمؤلفاته حول سير لحكام وملوك الإسلام، غرائب وعجائب الحوادث ـ تجارب ومذكرات، مناظرات ومفاخرات ـ نوادر وطرائف مسليّة ـ أسفار وعرفان.

(2) كشكول السيّد محسن الأمين، ج2، ص 465 ـ 466.

(3) نفس المصدر، ص 466.

(4) نفس المصدر، ص 470.

(5) نفس المصدر، ص 465.

(6) نفس المصدر، ص 472.

(7) نفس المصدر.