عالميّة الإمام الحُسين بن عليّ (ع)في الأديانِ والطّوائف

20/1/2017
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

عالميّة الإمام الحُسين بن عليّ (ع)في الأديانِ والطّوائف

 

بقلم الدكتور ميشال كعدي(1)

1ـ أيُّها الناسُ النُّجُدُ.

جئتُ اليومَ مِن بلادِ الأرزِ ووطنِ المحبَّةِ لبنانَ، لأُشارِكَ في ذكرى ولادةٍ القدّيسِ، سبطِ الرّسولِ الأعظمِ الإِمام أبي عبدالله الحسين الذي حلّ رحمةً ربّانيَّةً، ودعوةً إنسانيَّةً.

كان لمولدِهِ (ع)، هوّةٌ كونيَّةٌ في المدينةِ المنوّرة، وذلكَ في 3 شعبان، 4هـ. الموافق 8 كانون الثاني 626 م.

وعندما ارتفع صوتُهُ بالبكاءِ، وَجَدَتْ والدتُهُ الطُّهرُ البتولُ حَدَثاً عظيماً حرَّكَ الحياةَ في الدِّينِ الإِسلاميّ الحنيف.

أنا ما جئتُ اليوم لأُلقيَ الأَضواءَ على حياةِ القدّيس، الحسين بن عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف، إلى نهاية الشجرة التي تسنَّمَتِ النَّسَبَ الشَّريفَ.

إِنَّكم ستقرأونَ الأضواءَ على حياةِ الخالد، الحسين، في كتابٍ سيصدُرُ قريباً جدّاً بعنوان «الحسين سلطانُ كلمةٍ وقدوة وقداسة»، بعد كتاب «الإِمام عليّ بن أبي طالب نهجاً وروحاً وفِقهاً» وكتاب «الإِمام زين العابدين والفكر المسيحيّ» و «ديوان رياحين الإِمامة» و « السيّدة الزّهراء أولى الأديبات».

ستقرأونَ في كتابي عن الحسين، الولادة، الوفاة، مكانَتَهُ في الإِسلامِ والطّوائِفِ، وَكُلَّ ما تمتُّ لحياتِهِ بصلةٍ، وبخاصَّةٍ مآسي عاشوراءَ، وسرمديَّةُ الشَّعائِرِ الحسينيَّةُ، وتَحمُّلُ صعابِ الحُسين في الدُّنيا.

أيُّها الأحبَّاء

مَهمَّتي اليومَ، في مولدِ هذا القدّيس، الحديث عن عالميَّةِ الإِمام الحُسين بن عليٍّ، ومركزِهِ العالميّ في العالمِ كلّهِ والطّوائف قاطبةً، ولا غروَ، فهذا العظيمُ، حرَّكَ السَّاعاتِ الحاسمةَ، وأَمكنة العباداتِ، في الدُّنيا، على مفارقِ الزَّمنِ، حيثُ أُلقي زاداً للعبقريَّةِ، وأَرسى وَجُوهاً طليعيَّةً، مُسَّتْ بجناحِ البُطولةِ والجُرأَةِ والإِيمانِ.

روحُ الإِيمانِ التي زَرَعَها الحُسينُ في تلكَ النُّفوسِ، عطَّلَتِ المقاييسَ في البشَرِ، لتَبقى في الوُجودِ حييَّةً، وتُبقي الإِسلامَ ديناً حَنيفاً، يَنالُ مِن اللهِ والأنبياءِ في العالَمِ.

2ـ عَظَمةُ الإِمامِ الحُسين (ع)

قُدوةً وإيماناً

تسنَّمَ الحُسينُ (ع)، شَقَّ ريشتي وحياتي، فرأيتُهُ بينَ صُفوف القدّيسينَ الذينَ عَلَتْ بهم القِيَمُ والمناقبيَّةٌ.

حَببتُ الحُسينَ، لأنَّهُ واحدٌ من قدّيسي رَهبْانَّيتي، ومنَ اللاَّهوتيّينَ الّذينَ تأثَّرتُ بهم.

أحببتُهُ في خُشوعِ التأمُّلِ.

أحببتُهُ رُؤْيَويَّاً يتلمَّسُ سَبيلَ الأَكرَمَينِ النَّبيِّ الأَعظم، وأميرِ المؤمنين عليّ بن أبي طالب.

أحببتُهُ وهو يتقدَّمُ الأرتالَ إِلى الصَّلاةِ، وقَدْ شَغَلَتْهُ هَزَّةُ مُجتَمَعِهِ، وَصحوَةُ الإِسلامِ، فَصَحا إِلى النّصرةِ والتَّبعاتِ الإِرثيَّةِ.

عَظَّمْتُهُ نبَّاضاً، يُوَطِّدُ شجاعةَ الرأي.

أكبرتُهُ مُلهباً في القاماتِ روحَ النَّخوةِ والإِصلاحَ، والثّورةَ في وَجْهِ الاضطهادِ والكُفْرِ والمَساسِ بالإسلامِ.

وفي ذكرى مولِدِ سِبْطِ الرّسولِ الأعظمِ أبي عبدالله الحُسين، نُعيدُ إِلى الدُّنيا غَرَّ العظائِمِ الحُسينيَّةِ.

على أنَّني، أُضيفُ إِلى هذا المُعَرَّقِ في النَّسبِ، سَليلَ الأصلابٍ الواقفةِ للدِّفاعِ عن اللهِ والكرامةِ والإنسانيَّةِ، وهنا يمرُّ ببالي كراهبٍ، عَرَفَ أن يُقارِبَ بينَ السيِّد المسيحِ، وبينَ الإِمامِ الحُسينo، لِمّا لهما مِن تَجِلَّةٍ في الكيانِ البشريّ، وقد امتازَ بعالميَّةٍ واسعةٍ، ونكرانٍ للذَّاتِ وشجاعةٍ مُثلى، وشهادةٍ مُنَزَّهَةٍ، غَدَتْ شهوةً في النّفوسِ، ونِعْمَ مَن خَطَّ بدمِهِ طريقَ الصَّلاحِ، مُكتفياً بشرفِ الأهدافِ والغاياتِ، إنَّها لَعَمْري أَرْوَعُ أُمثولاتٍ للمسيحِ وشهيدِ كربلاءَ.

3ـ عالميَّةُ الإمامِ الحُسين (ع)

في الأديانِ والطَّوائِف الأخرى

الحُسينُ اعتلى أمكنته الدُّنيا في مواقفِهِ، فتكَلَّمَ عليه عباقرةُ الكونِ شرقاً وغرباً.

هذا الذي وطَّنَ نفسَهُ على الصَّبرِ والشّدائِدِ، لم يلبسِ الأقنعةَ في عمرهِ، ويومَ كانَ الناسُ يَلبَسونَ الأقنعةَ في ذلكَ الزَّمَنِ، كانَ يُطِلُّ الحُسينُ (ع)، على النّاسِ مِن دونِ قناعٍ، هكذا وصَفْتُهُ في مُحاضرةٍ لي في إيران، دولةِ الحضاراتِ، وقد وصَفهُ بهذا الكلام راهبٌ كاثوليكيٌّ مُضيفاً على كلامِنا، بأنَّهُ ما جَاورَ في حياتِهِ المُصانعة يوماً.

هذا العظيمُ في أهلِ التُّقى عَلَّمَ الإنسانَ، بأنَّ الحياةَ لا تَصلُحُ، ولا يستقيمُ لها شأنٌ، إِلاَّ إِذا رَفَعَتْ مَداميكَها على الجُرأةِ الحُسينيَّةِ والصَّراحةِ والعُنفوانِ.

أَمَّا الحُريَّةُ فقد أخذَها من المَقاييسِ الرَّئيسةِ، رافضاً المُبتّذَلَ، مُتخيِّراً وَجْهَ اللهِ، والرَّسولَ، ونبراسَ الإمامِ عليِّ، ونورَ الحقيقةِ، والأوضاحَ الثّابتةَ، حتّى ضَجَّتْ به المسكونةُ.

أيُّها النّاسُ.

نحنُ، لم نفشَلْ في كربلاءَ.

هكذا، قالَ فلاسفةُ وعباقرةُ الدُّنيا.

وقيلَ على ألسنةِ العُظماءِ، والرّهبانِ: ما زالَ شهيدُ كربلاءَ بين أهلِهِ والمؤمنين. ثُمَّ قالَ أحدُ المشرفين، على أُطروحتي «الإِمام عليّ نهجاً وروحاً وفقهاً» الأب اللاّهوتي رولان، إنَّ أَبا عبدالله، رمزٌ يضيءُ في آفاقِ العالمِ، والعواصم، والطوّائِفِ المؤمنةِ بالخالقِ والإنسانيَّةِ.

وقد جعلَ الحُسين (ع)، الإيمانَ بالخالقِ مطلقاً.

كما أنَّهُ جعلَ الأحمديَّةَ، على طَرَفِ أقلامِ المؤرِّخينَ، في مَنَاطِها العالي، ولا غروَ، فالأرومةُ أحمديَّةٌ، والرّسولُ مُصطفى مِن لدنِ اللهِ، ونِعْمَ حيدرةُ والرَّيحانتانِ، أَمَّا القَداسةُ، فعلى رَوَامِها في عمقِ الرّسالةِ.

ولَمْ تُهمِل كُتُبُ اللاَّهوتيَّين العاملينَ في خدمةِ الرَّبِّ، عظَمَةَ الأئِمَّةِ وبخاصَّةٍ الإِمامانِ، عليّ والحُسين، مِن دونِ أن يَنْسوا الطَّهارَةَ فيهِما والعصمةَ، والشّجاعة والشَّرفَ.

في هذا الميدانِ، لا بُدَّ، أن نذكُرَ دوماً، أولي الثِّيابِ النقيَّةِ،الّذين لهم على الدّنيا الفَخارِ.

ويجبُ أَن ننوِّهَ بالرّاهبِ الذي نَبَّه الحُسينَ من القتلِ، وبعد استشهادِه بَكى، وَصَلَّى ليكونَ في السَّماءِ.

ثَّم قالَ الرّاهبُ:

«إِنّي لأَرَى لكَ قرابة من قاتلِ هذا الابنِ الطيّبِ، واللهِ أنّي لو أدركتُ أيّامه لوقيتُهُ بنفسي مِن حَرِّ السّيوفِ، فقلتُ: إنّي أُعيذُ نفسي من أن أُقاتِلَ ابن رسولِ اللهِ، فقال: إِن لَمْ تكن أنتَ فرجلٌ قريبٌ منكَ، وأَنَّ عذابَ قاتِلِهِ أَشدُّ» مِن عذابِ فرعون...(2)

هذا الكلامُ وغيرُهُ للراهب، قرأتُ ترجمةً له في مكتبةِ الفاتيكان».

العالميّةُ المستمرَّةُ روحيّاً

بيني وبينَ رَياحينِ الإِمامةِ عهدٌ وذمَّةٌ.

وفي سياقِ كلامي على الأئِمَّةِ ورياحينِ الإِمامةِ، مِنَ الطّبيعيِّ أَلاَّ أَغفلَ السيّدة الزّهراءَ، ما معناهُ إِنَّ الإِسلامَ بَدْؤُهُ محمَّدِيٌّ وبقاؤُهُ حُسَينيٌّ.

وفي كُنْهِ الإِسلامِ مُثلَّثٌ قِوامُهُ الرَّسولُ وعَليٌّ والحُسينُ، أَمَّا مُطَيِّبَةُ الطُّهرِ الزّهراء ولا امتراء، وَمَعها تتوطَّدُ أُسُسُ السَّلام والوِئامِ وصدْقُ النّجاوى.

لقد تَشَمَّمْتُ ريحَ القداسةِ والنُّبُوَّةِ.

وعَرَفنا مَوْضِعَ الرّسالةِ وأبعادَها.

أهَمُّ ما تمتازُ به قضيَّةُ الإِمامِ الحُسين، في بُعدينِ، البعدِ العاطفيّ، وبُعْدِ الثورةِ الخالدةِ، التي أبقَتْ شُعلة كربلاء، وشُعلة استشهادِهِ، التي هَزَّتْ أُمم العالَم قاطبةً، والأديانَ برمَّتها.

ذلكَ الاعترافُ مِن العالمِ، والطوائِفِ المؤمنةِ باللهِ، ما جاءَ عفواً أَو من فراغ.

بل ذلكَ الزَّخمُ العالميُّ ما جاءَ بالصِّدْفَةِ، أَما قالَ الرَّسولُ:

«... ثُمَّ انطلقَ الحُسينُ، كأَبٍ للأُمَّةِ...»

هذه القدرةُ سَجَّلَتْ سِيْرةَ قدّيسٍ، وعليه قالَ النبيُّ w:

«إنَّ الله عَزَّ وجَلَّ، خَلَقَني، وخَلَقَ عليّاً وفاطمة والحَسَن والحُسين مِن نورٍ واحدٍ...(3)».

الحُسين.

عاشَ المعاناةَ أمَّا الحُجَّةُ القاطعَةُ فهي ثورةُ كربلاء.

وهنا أُشيرُ، إلى أنَّ المسيحيّين، حينَ يتحدّثونَ عن المصاعبِ التي مَرَّ بها المسيحُ معَ أعداءٍ لا يعرفونَ الله، وما لاقاهُ من ألمٍ، وأوجاعٍ وصلْبٍ، فلا بُدَّ، أن نقولَ ما قالَهُ بعضُ الرّهبانِ في بلادِ أوروبا، وأميركا والفاتيكان، الذين أقرّوا بأنَّ ما أصابَ المسيح، هو معشارُ ما جرى للإمامِ الحُسين بن عليّ.

في أيِّ حالٍ.

نَجحَ المسيحيّونَ في تصويرِ حالةِ المسيحِ، مِن خلالِ بشارتِهِم الكونيّة.

وقد جاءَ على طرّفِ غزَّارَةِ أحدِ الأقطابِ في إيطاليا، وهو مَن في عالَمِ اللاَّهوتِ، حينَ قالَ:

يجبُ أَلاَّ ننسى الإِمام الحُسين، وما جَرَى له مِن المآسي، والبلايا في كربلاء...».

وعلى وقعِ الإيمانِ بالخالقِ، يَروي أحدُ المسلمين العرب، أَنَّهُ زارَ مَكتبة الفاتيكان، فأخذته الدّهشةُ، عندما رأى عشراتِ الكتب، والدّراساتِ التي أَربَتْ على المئةِ، تتحدَّثُ عن الحُسين (ع) وواقعةِ كربلاء.

وأَنا أفتّشُ عن مراجعَ تهمُّني عن الإمام عليّ (ع) طَالبني راهبٌ بأن أنشئَ دراسةً مفصَّلةً، تكونُ بمثابةِ مقارنةٍ بينَ المسيح والحسين.

وفي هذه الحقيقةِ بالذّات، أبدى بعضُ التجّارِ الذين يزورونَ أسواقَ ومُدُنَ العالم كلِّه، وبخاصَّةٍ في البُلدانِ الغربيَّةِ، استغرابَهُم، حينَ زاروا مناطقَ لا وُجودَ للمُسلمينَ فيها، وعلى الرّغمِ من ذلكَ، فقد شاهدوا راية الإمامِ الحسين مرفوعة في تلك الأقطارِ النائيةِ.

وهناك مناطقُ دَخَلَها الإسلام.

دَخَلَها الإسلامُ ببركاتِ كربلاءَ.

وعندما عَرفوا ما جرى للإمامِ الحُسين مِن ظُلْمٍ وقهرٍ، وانتصارٍ له من فاطمة، ومن نُصرةٍ مجّدته، وسوى ذلكَ من هذه الأُمورِ، اعتنقوا الدّيانة الإسلاميّة، وقد دفعهم إِلى ذلكَ، حَقُّ الرّسولِ والإِمامُ عليّ وبخاصَّةٍ الحُسين، آخذين المبادئَ الربّانيَّةَ، والنُّبلَ والأخلاقَ الرّاقيةَ، التي تعاملَ بها الحُسينُ مع أعدائِهِ، ومن حُسينيَّاتِهِ، أَنَّهُ ما أجهزَ على أسير أو جريح،  وهذه الظّاهرةُ أخذها عن أمير المؤمنين والبلاغةِ، وقد تكونُ وصيَّةً للتنفيذِ.

من الثابتِ حقّاً، أنَّ قضيَّةَ الإمام الحسين (ع)، تفاعلّتْ في أقطار الدّنيا، وتفاعلت معَها وصمةُ العارِ في جبينِ الحكّامِ الظَّلَمَةِ.

وقد استلهمَ النّاسُ كافّةً مِن ثورتِهِ دروساً في الحريَّةِ والكرامةِ والإِباءِ والديموقراطيّةِ التي لمحناها في الرَّسولِ العربيّ.

ثمَّ رأوا في الحُسينِ القائِد والقدوةَ، وشرَفَ الانتسابِ، والفضائِلَ، والهيبةَ، والكرمَ، ودرجاتِهِ يومَ القيامةِ، والمعرفةَ، وشباهتَهُ بالنّبيّ، والنّورَ، والعِصمةَ، والتّواضعَ، والآدابَ، والشِّعرَ، والخطابةَ، وَمَا أَنعَمَ اللهُ على الأئِمَّةِ الكبارِ الّذين ننظرُ إِلى منازلهم في الجنَّةِ.

كما أنَّهم رأوا في هذا العظيم، أنَّهُ بابُ الخلاصِ في الدّفاعِ عن كرامةِ الملأِ والإنسانِ، مِن دونِ حسابٍ، وَلَكم حَرَّكَ جوادَهُ نحو المظلومِ، أَمَّا السّيفُ فقد أبقاهُ مُصلّتاً في يدِهِ، وَهُوَ عازمٌ على الموتِ، قالَ:

أَنا ابنُ علي الخيرِ مِن آلِ هاشم

كفاني بهذا مَفخَراً حينَ أفخَرُ

وَجَدِّي رَسولُ اللهِ أكرَم مَن مَشَى

ونحنُ سِراجُ اللهِ في الخلقِ يُزهرُ (4)

وما خافَ يوماً من البرازِ، حتّى في لحظةِ الإستِشْهادِ.

وفي سياقِ العالميَّة المستمرَّةِ روحيّاً، هناك قصصٌ كثيرةٌ جدّاً، عن أقوامٍ أصحابِ دياناتٍ شتَّى ومختلفةٍ، وطوائِفَ متعدّدةٍ، لا علاقةَ لها بالإسلامِ، لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ، يساهمونَ بأموالهم وجهودِهم، في إحياءِ ذكرى استشهادِ الحسين.

وهناك أيضاً طوائفُ، لا تمُتُّ للإسلامِ بصلةٍ، كانوا يُعلنونَ الحُزنَ والحدادَ في كلِّ عامٍ، ومنهم نحنُ المسيحيّين في لبنان.

فكانتِ المُشاركةُ فعليّاً، وكذلك المواساةُ لأهلنا الشيعةِ. فقد كُنّا نُشاركهم مآتمَ العزاءِ، قولاً وبكاءً، وأَنا ممَّن كانَت له مشاركاتٌ كلاميَّةٌ خلالَ فترةِ عاشوراءَ، لماذا؟ لأنَّ شخصيّةَ الحُسين، تمتازُ بعظمةٍ مقدَّسةٍ شبيهةٍ بشخصيَّةِ السيّد المسيح.

 

ولابد من القولِ، إِنَّ المآتمَ الشيّعيَّةَ بكربلاءَ، وفي كُلِّ مناطق العراق ولبنان، تشهدُ مُشاركاتٍ واسعةً من المسيحيّين، الّذين يخصّصون أيامَ عاشوراءَ، لحضورِ المجالسِ الحسينيّةِ، وتأبين سيِّدِ الشّهداءِ وأبي الأحرار.

وكم مَرَّة، أُجِّلَ عيدُ الميلادِ في البلادِ العربيَّةِ، لتعارضِهِ مع إحياءِ عاشوراءَ،إكراماً لشخصيَّةِ الإمام الحُسينِ ومأساتِهِ في كربلاءَ، التي تذكّرنا بمآسي سيّد السّلام، المسيح عيسى (ع).

5ـ المقاربة بين المسيح والحُسين

مَن يقرأ الكتبَ السّماويَّةَ يجدُ العجائِبَ رفيقةَ المسيحِ، وَهُوَ في أحشاءِ مريم، وهذا ما قرأناهُ في القرآنِ الكريمِ المُنزَل، وبعدَ ولادتِهِ، سَمَحَ له الله، أن يشفيَ المرضى، ويُقيمَ الأمواتَ، ويَطرُدَ الشيّاطينَ مِن الإنسانِ، وهذا ما تيسَّرَ للإمامِ الحُسين في رَدِّ الحياةِ للميتِ.

في كتابِ الخرائِجِ عن يحيى بن أُمِّ الطّويلِ قال: كُنَّا عند الحُسين (ع)، إذ دخلَ عليه شابٌ يبكي، قال: إنَّ والدتي ماتَتْ هذه السّاعة، ولّم توصِ لَها مال، وقد كانت أمرَتني أَلاَّ أُحدِّثَ في أمرِها شيئاً حتّى أُعلِمَكَ خبَرَها.

فقالَ الحُسينُ: قوموا حتّى نصيرَ إلى هذه الحُرَّةِ، فأتَيناها فإذا هي مُسَجَّاةٌ، فأشرفَ على البيت، وَدَعا الله تعالى، ليُحييهَا، حَتّى توصي بما تُحِبُّ مِن وصيَّتها، فأحياها الله تعالى، فجلَسَتْ وهيَ تتشهَّدُ، ثُمَّ نَظَرَتْ إِلى الحُسين (ع)، فقالت: أُدخُل يا مولايَ وَمُرني بأمرِكَ، فدخلَ وجَلَسَ على فَخْذِهِ، ثم قالَ لَها: وَصّي يرحَمْكِ الله.

فقالَتْ: يا بنَ رسولِ اللهِ لي منَ المالِ كذا وكذا، في مكان كذا وكذا. فقد جَعَلتُ ثُلثَهُ إليكَ، حيثُ شِئتَ من أوليائِكَ والثلثينِ لابني هذا، إِن عَلِمتَ أنَّهُ من أوليائِكَ، وإن كانَ مُخالفاً لكَ فلا حقَّ للمُخالفينَ في أموالِ المُسلمين.

ثمَّ سأَلتهُ أن يُصَلّي عليها، وأن يتولّى أمرّها، ثُمَّ صارتِ المرأةُ ميّتةً كما ماتَتْ (5).

وثَمَّةَ أشياءُ أُخرى تنبئُ عن عجائب للحسين، منها، عندما تكلَّمَ الرّضيعُ معه، وهروب الحمّى مِن المريضِ ببركتِهِ (6).

مثلُ هذه الحقائق في المسيحِ والحُسين، تناقلَها العالَمُ كلَّهُ، من جيلٍ إِلى جيلٍ، وقد وثَّقَها مؤرَّخونَ، خدمةً للبشريَّةِ والتواصلِ والتكاملِ والإيمانِ.

6ـ أقوالٌ عالميَّةٌ في الإمامِ الحُسين

للإِمامِ الحسينِ مكانةٌ خاصَّةٌ، لدى مُعاصريهِ أوّلاً، أمثالَ عُمر بن الخطّاب، عُثمان بن عفّان، عبدالله بن عبّاس، أنَس بن مالك وسِواهم.

لقد تركتْ حياة الحُسين، وواقعةُ كربلاءَ، تأثيراً عظيماً وبليغاً في البشرِ، وذلكَ، في كلِّ الطوائِفِ والأديانِ العالميَّةِ.

ثُمَّ عُرِضَ الكثيرُ الكثيرُ مِن الآراءِ، حولَ الثورةِ الملحميَّةِ والصّفاتِ التي تحلّى بها حُسينُنا وأنصارُهُ، ممَّا جَعَلَنا ننقُلُ جُزءاً مِن أَلفٍ عنه.

ومِنَ المفيدِ أن نذكُرَ بَعضاً مِن الكتَّابِ غير المسلمينَ في العالمِ، الّذينَ دَوَّنوا كُتُباً عن حياةِ هذا القدّيسِ المؤمنِ باللهِ مِن دونِ شرطٍ، أمثال:

أ ـ غاندي:

قال: «تعلَّمتُ مِنَ الحُسين، أن أكونَ مظلوماً فأنتصِر».

وفي هذا السياقِ أضافَ قائلاً:« لقد قرأتُ بدقَّةٍ حياةَ الحُسين الشَّهيدِ العظيمِ، واهتممتُ اهتماماً كافياً، بتأريخِ واقعةِ كربلاء».

ب ـ توما كارليل:

قال: «أسمى درسٍ نتعلَّمُهُ من مأساةِ كربلاءَ، هو أنَّ الحُسينَ وأنصارَهُ، كانَ لهم إيمانٌ راسخٌ باللهِ، وقد أثبتوا بعمَلهِم ذاكَ، أنَّ التفوّق العدديّ لا أهميَّةَ له حينَ المواجهة بين الحقِّ والباطلِ، والذي أثارَ دهشتي، هو انتصارُ الحُسينِ على رغمِ قِلَّةِ الفئةِ التي كانت معه».

ج ـ إدوار براون:

قال:« وَهَل ثمَّةَ قلبٌ، لا يغشاهُ الحُزنُ والألَمُ حينَ يَسمعُ حديثاً عن كربلاء؟ المسيحيّونَ قبلَ المسلمين، ينكرون ذلك، ويقرّونَ بطهارةِ الرّوحِ».

د ـ وليام لوفتس، الآثاري الإنكليزي:

قال:« لقد قدَّمَ الحُسينُ بن عليّ، أبلغَ شهادةٍ في تاريخِ الإنسانيَّةِ، وارتفعَ بمأساتِهِ إلى مستوى البطولةِ الفذّة».

هـ ـ لويس بويد:

قال:«... وإِنَّهُ لَمِنْ دواعي سروري، أن أكونَ مِمَّن يُثني مِن كلِّ أعماقي، على تضحيّة الحُسين الكُبرى، على الرّغمِ من مرورِ أكثر من 1300 سنة على وُقوعِها».

و ـ موريس دو كابري:

قالَ:«... يُقالُ في مجالسِ العزاءِ، إِنَّ الحُسين ضَحَّى بنفسِهِ لصيانةِ شَرَفِ وأعراضِ النّاسِ، ولحفظِ حرمةِ الإسلامِ... إذن تعالوا نتَخذُهُ لنا قدوةً، لنتخلَّصَ من نيرِ الإستعمارِ، وأن نُفضِّلَ الموتَ الكريم على الحياةِ الذّليلةِ...».

ز ـ الباحثُ سليم كعدي المسيحي

قال:«الإمام الحُسين، نعتبرُهُ قُدْوَةً ورسالة للطوائِفِ كُلِّها، ونوراً للجهادِ المقدَّسِ والحفاظِ على الشَّرَفِ والإخلاصِ والعروبةِ».

ح ـ أنطوان بارا مسيحي:

قال:« لو كان الحسينُ منّا، لنشرْنا له في كلِّ أرضٍ رايةً، ولأقمنا له في كلّ أرضٍ منارةً، وَلَدَعونا الناسَ إِلى المسيحيَّةِ باسمِ الحسين...».

وهناكَ المئات من الّذينَ شهدوا للحسين، عدلاً، واجتماعاً، وحقاً، ورسالةً وسوى ذلك، وكان من اشهرِ أولئكَ:

ـ مؤسّس دولة باكستان، محمّد علي جناح.

ـ جون أشر، باحث إنكليزي.

ـ فردريك جيمس.

ـ واشنطن أيروينغ.

ـ توماس ماساريك.

ـ بنت الشاطئ.

ـ جورج جرداق المسيحيّ.

ـ عبّاس محمود العقّاد، الكاتب والأديب المصري.

ـ إدوارد جيبون المؤرّخ الإنكليزي.

ـ بيرسي سايكس، المستشرق الإنكليزي.

ـ طه حسين العالم والأديب المصري.

ـ العلاّمة علي الطنطاويّ، العالم والفيلسوف.

ـ قريا ستارك، كاتبة إنكليزيّة.

ـ الشاعر المهجري، جورج كعدي المسيحي.

جبران خليل جبران، المسيحي، والأديب المبدع.

ـ كارل بروكلمان.

ـ هو كارت المستشرق الإنكليزي.

وهناك المئات الّذين لم يكن بمقدورِنا أن نعرض أسماءَهم.

7ـ خاتمة البحث:

الجديرُ بالأمَّةِ الإسلاميّة التي زَوَّدَها الله بخيرِ الأئِمَّةِ والهدايةِ، أن تجعلَ من عظمةِ وحياة الحُسين، ومن أئِمَّةٍ آل البيت كافَّةً، قبساً يُضيءُ الضّمائِرَ، ففي ذلكَ يعودُ لواءُ الإِسلامِ خفَّاقاً كما عهدناهُ على الأرجاءِ والرّقاعِ الواسعةِ.

 

 

ملحق الإمام (ع)

 

 

ملحق الإمام (ع)

 

الهوامش:

(1) ألقيت هذه المحاضرة بمناسبة ذكرى ولادة الإمام الحسين (ع)، في كربلاء المُقدّسة ـ العراق، بدعوة من العتبة الحسينيّة المُقدسّة يوم الأحد الموافق الخامس من شهر شعبان 1436هـ. الواقع فيه 24 أيار (مايو) 2015م.

(2) راجع « مدينة المعاجز » 4/66، ح 1088.

(3) راجع « بحار الأنوار » 15/10، شرح الزيارة الجامعة، 42.

(4) الفتوح: 5/133 ـ 134، « مناقب ابن شهر آشوب »: 4/ 88.

(5) راجع «الخرائجِ والجرائح »: 1/246، ح1.

(6) راجع « مناقب آل أبي طالب » و « وسائل الشيعة ».

مراجع البحث

1 « مُسلم في الجامع الصحيح»، (2/283) ح/2424.

2 « أبو الشّهداء الحسين بن عليّ »، عباس محمود العقّاد، الناشر العالميّ

للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة.

3 « تاريخ ابن عساكر » 14/313/ و « مقاتل الطالبيّين » 78، و « مجمع

الزوائد » 9/194.

4 « محمد حياة الأنصاري » ج1.

5 « تاريخ ابن خلدون » ابن خلدون، ج2، ق1.

6 « حياة الإمام الحسين (ع) »، لباقر شريف القرشي، 1/394.

7 « الكامل في التاريخ »، الجزء الثاني.

8 « التحقيق في موضع رأس الشّهيد الحسين بن عليّ ».

9 « حقيقة موضع رأس الحسين وقبره» .

10 « تاريخ الإسلام الذهبيّ » الصفحة 584.

11 « آل عمران (3) » 61.

12 « صحيح البخاري »، 2/188، و « سنن الترمذي» 539.

13 « عيون أخبار الرضا »، 2/62.

14 « حلية الأولياء » 4/306.

15 « الخصال »، 136.

16 « بحار الأنوار » 10/82.

17 « تاريخ ابن عساكر » 4/322.

18 « الأخلاق الحسينيّة »، جعفر البياتي.

19 « موسوعة عاشوراء »، الشيخ جواد محدثي، دار الرسول الأكرم 1997م.

20 « موسوعة النّجف الأشرف »، المجلّد 4.

21 « ديمو تاريخ الرسول المصطفى والحُسين ».