القديس بطرس الرسول والمهديُّ المُنتظر

18/5/2017
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم القاضي الدكتور الشيخ يوسف محمد عمرو

قال الله تعالى في القرآن الكريم:[ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ{ سورة الأنبياء، الآيات 105 ـ 106 ـ 107 ـ 108].

والقرآن الكريم في الآيات الآنفة الذكر حكى لنا نبؤة النبيّ داود t، بإيجاز وإختصار كما جاء في المزمور السابع والثلاثين حيث جاء بها: [ـ لا تغر من الأشرار ولا تحسد عمّال الإثم 2ـ فإنّهم مثل الحشيش سريعاً يُقطعون ومثل العشب الأخضر يذبلون. 3ـ اتكل على الرَّبِّ وافعل الخير. أسكن الأرض وارع الأمانة. 4ـ تلذذ بالرّبِّ فيعطيك سؤل قلبك. 5ـ سلّم للرَّبِّ طريقك واتكل عليه وهو يجري. 6ـ ويخرج من النور بِرَّك وحقك مثل الظهيرة. 7ـ إنتظر الرّبَّ واصبر له ولا تَغر من الذي ينجح في طريقه من الرجل المجري مكايده. 8ـ كُفَّ عن الغضَب واترك السخط ولا تغر لفعل الشر. 9ـ لأنَّ عاملي الشر يقطعون والّذين ينتظرون الرّبَّ هم يرثون الأرض...(1)].

كما ورد أحاديث شريفة عن رسول الله w، تؤكد ذلك، ذكرنا قسماً منها في العدد المزدوج (26ـ 27) من  إطلالة جُبيليّة الصادر في 16 كانون الثاني (يناير) 2017م. ص 17. تحت عنوان: ذكر ما جاء في المهديّ آخر الزمان .

ونضيف لها ما يلي من كتاب ينابيع المودّة للحافظ سليمان بن إبراهيم القندوزيّ الحنفيّ الّذي أخرج ما يأتي:

ـ عن عليِّ (كرم الله وجهه)، [ قال: قال رسول الله : لا تذهب الدنيا حتى يقوم بأمتي رجل من ولد الحسين يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظُلماً.

ـ وعن ابن عباس (رضي الله عنه)، قال: سمعت رسول الله ، يقول: أنّا وعليٌّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مُطهَّرون مَعصومون  أخرجه الحموينيّ.

ـ وعن عباية بن ربعيّ عن جابر قال: قال رسول الله ، أنا سيّد النبييّن، وعليّ سيّد الوصييّن وإنَّ أوصيائي بعدي إثنا عشر أولهم عليّ وآخرهم القائم المهديّ (2).

ـ وأخرج أيضاً عن الحسن بن خالد قال:[ قال عليّ بن موسى الرضا (رضي الله عنه): لا دين لمن لا ورع له. وإن أكرمكم عند الله أتقاكم أي أعملكم بالتقوى. ثُمّ قال: إنّ الرابع من ولدي ابن سيّدة الإماء يُطهّرُ الله به الأرض من كل جور وظلم. وهو الذي يشك النّاس في ولادته وهو صاحب الغيبة فإذا خرج أَشرقت الأرض بنور ربِّها وَوُضِعَ ميزان العدل بين النّاس فلا يَظلمُ أحدٌّ أحداً وهو الذي تُطوى له الأرض. ولا يكون له ظِلٌ. وهو الذي يُنادي مُنادٍ من السماء يسمعه جميع أَهلَ الأرض: ألا إنَّ حجة الله قد ظَهرَ عند بيت الله فاتبعوه فإنَّ الحقَّ فيه ومعه وهو قول الله عزّ وجل يوم يُنادي المنادي من مكان قريب.

ويوم يسمعون الصيحة بالحقِّ ذلك يوم الخروج. أي خروج ولدي القائم المهديّ t (3) .

مع القديس بطرس الرسول

أو شمعون الصفا

جاء في الإصحاح الحادي عشر من سفر أشعيا، قول النبيّ أشعيا بن آموص t، [ ـ ويخرج قضيب من جذع يسَّى وينبت غصن من أصوله. 2ـ ويحلُّ عليه روح الرَّبِّ روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوَّة، روح المعرفة ومخافة الرّبِّ. 3ـ ولذته تكون في مخافة الرَّبِّ فلا يقضي بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه. 4ـ بل يقضي بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض. ويضرب الأرض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه. 5ـ ويكون البِرُّ منطقةَ متِنَيهِ، والأمانة منطقة حقَويه. 6ـ فيسكن الذئب مع الخروف، ويربض النمرُ مع الجديّ، والعجل والشّبلُ والمُسّمنُ معاً، وصبيّ صغير يسوقها. ـ والبقرة والدبة ترعيان تربض أولادهما معاً، والأسد كالبقر يأكل تبناً. 8ـ ويلعب الرضيع على سرب الصّل ويمدِّ الفطيم يده على جحر الأفعوان. 9ـ لا يسؤون ولا يفسدون في كل جبل قُدسي. لأنّ الأرض تمتلئ من معرفة الربّ كما تُغطي المياه البحر. 10ـ ويكون في ذلك اليوم أنّ أصل يسَّى، القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجداً(4) ].

وكلام النبيّ أشعيا هو بشارة بسيطرة السلام والمعرفة والعدالة على الأرض وظهور ذلك واضحاً عند جميع الشعوب حتى أنّ جميع المخلوقات على ظهر الأرض تتأثر بذلك وينعكس عليها.

وتحت عنوان:

من هو يسَّى عند اليهود والنصارى؟

كتبت في كتابيّ: المسيح الموعود والمهديّ المُنتظر مُستشهداً بقول الأب لويس شيحو اليسوعيّ في كتابه المُنجد في الإعلام  حيث قال:[ يسىَّ: والد داود النبيَّ في بيت لحم من سبط يهوذا. جدُّ المسيح .

ولو أردنا تفسير القضيب بالسيّد المسيح t، حسب نبؤة النبيِّ أشعيا t، فإن هذا لم يستقم لأنّ السيّد المسيح كان كالحمل الوديع في مجتمعه بدعوته للتسامح والمحبّة وللسلام وللإله الواحد وسط الذئاب اليهوديّة والرومانيّة آنذاك.

أمّا الصفات الواردة في نبؤة أشعيا فهي لم تتحقق لغاية تاريخه لأنَّ الظلم والفساد لا زال هو الحاكم والمسيطر في الأرض، وليس السيّد المسيح أو تعاليمه.

والقضيب الذي يخرج من جذع يسَّى وينبت غصن من غصونه هو السيّد المهديِّ محمد بن الحسن العسكريّ o، لأنّه ينتمي إلى رسول الله محمد w، من ناحية الأب. وينتهي إلى يسَّى من طريق أُمه السيدة نرجس أو مليكة من سلالة شمعون الصفا أو سمعان وهو القديس بطرس وصيِّ السيّد المسيح o، وهو من ذريّة النبيّ داود بن يسَّى t.

كما أنّ السيّد المسيح t، قال مؤكداً لتلك النبؤة: أنا لست أطلب مجدي. يوجد من يطلب ويدين. 51ـ الحقُّ أقول لكم، إنْ كان أحد يحفظ كلامي فلن يرى الموت إلى الأبد  إنجيل يوحنا، الإصحاح الثامن، الكتاب المُقدس، ص 113 .

وخلاصة ما نراه: إنَّ هذا القضيب المبارك النابت من جذع يسَّى هو الإمام المهديّ المُنتظر ابن الإمام الحسن العسكريّ المولود في 15 شعبان سنة 255هـ. الموافق لسنة 868م. دون سواه للأسباب التي قدمناها بين يديّ القارئ الكريم، ولانطباق النبؤة عليه ، لإنتمائه إلى داود بن يسَّى من طرف الأم التي يرجع نسبها إلى القديس بطرس الرسول أو سمعان أو شمعون الصفا ، حفيد داود النبيّ ، ولإنتماء المهديّ المُنتظر إلى ياسين أي النبيّ مُحمّد ، من طرف الأب. وهو الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، ووالدة الإمام الحسين هي السيّدة فاطمة الزهراء إبنة محمد رسول الله ،(5)].

مع الأستاذ علي داود جابر

والأستاذ علي داود جابر بسفره النفيس عن  شمعون الصفا ، (بطرس) بين المسيحيّة والإسلام ، ألقى الأضواء على حياة القديس بطرس الرسول t، أيام السيّد المسيح t، وقربه له فهو ابن عمة مريم u وابن خالها فهو والمسيح من آل عمران مصداقاً لقوله تعالى: إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{ سورة آل عمران، آية: 33ـ 34.

وشمعون أو سمعان أو القديس بطرس هو سيّد تلامذة المسيح ووصيّه من بعده. ورسوله إلى انطاكيّة. وقد صرّح السيّد المسيح t، بمحبته له وثقته به ومن أقواله فيه: طوبى لك يا سمعان... أنت صخرة وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السموات وكل ما تحلّه على الأرض يكون محلولاً في السموات(6) .

كما تكلّم الأستاذ جابر عن علاقة بطرس الرسول بسبطه المهديّ المُنتظر t، من خلال والدته السيّدة مليكة حيث أورد قولها (رضي الله عنها)، للسائل: فقالت: أيّها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء، أعرني سمعك وفرّغ لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا ابن قيصر ملك الروم، وأُمي من ولد الحواريين تنسب إلى وصيِّ المسيح شمعون (7) .

كما تكلّم في هذا الكتاب النفيس عن حياة بطرس الرسول t، أيام السيّد المسيح t، وبعده، وعن كيد اليهود له وتربّصهم به الدوائر وملاحقتهم له وعن شهادته t، وعن تاريخ قبره الشريف في قرية  قلعة شمع  قضاء صور وتاريخ القلعة. وهي من قرى الجليل القريبة من قانا الجليل والقريبة من بحيرة طبريا التي عاش القديس بطرس على ضفافها يصطاد السمك في قرية كفرناحوم. كما ذكر زيارة المؤرخين والرحالة لقبر القديس بطرس. كما ذكر الإمام الحسن العسكريّ t، واقترانه بالسيّدة مليكة. وكذلك عن علاقة المؤمنين بالمهديّ المُنتظر من المسلمين بالقبر الشريف وزيارتهم له ليلة الخامس عشر من شهر شعبان كل عام وهي ذكرى ولادة المهديّ المُنتظر ابن الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ i، كما ذكر أموراً أخرى جليلة وجميلة جديرة بالدراسة والإهتمام.

الهوامش:

(1) الكتاب المُقدس العهد القديم، ص 585 ـ 586.

(2) ينابيع الموّدة للقندوزيّ الحنفيّ، ص 444 ـ 445.

(3) نفس المصدر، ص 448 ـ الرابع من ذريّة وولد الإمام عليّ بن موسى الرضا o، هو: مُحمّد المهديّ ابن الحسن العسكريّ بن علي ّ الهاديّ بن مُحمّد الجواد بن الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسّلام). وكلام الإمام عليّ الرضاt، عن والدة المهديِّ أنّها سيّدة الإماء إشارة إلى أنّها سيّدة نساء عصرها في الشرف والكرامة ولإنتسابها إلى جدها الأعلى شمعون الصفا أو سمعان وهو القديس بطرس t.

(4) الكتاب المُقدس ـ العهد القديم، ص 687 ـ 688.

(5) المسيح الموعود والمهديّ المُنتظرt، للقاضي الشيخ يوسف محمد عمرو، ص 52 ـ 53، بتصرف.

(6) شمعون الصفا t (بطرس)، ما بين المسيحيّة والإسلام، ص 42، عن إنجيل متى، ص 16 ـ 17.

(7) نفس المصدر، ص 162.