هل يكون لبنان سويسرا الشرق؟

25/3/2019
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

 

رئيس التحرير

اللبنانيّ بين الانتصار والإحباط

في العددين المزدوجين (35 ـ 36) الصادرين في 29 ايلول (سبتمبر) 2018م. وفقني الله تعالى للكتابة تحت هذا العنوان بمناسبة مرور خمسة وسبعين عاماً على إستقلال لبنان (منذ 22 تشرين الثاني 1943م. ولغاية أواخر 2018م.)، مُعدّداً الإنجازات العظيمة التي حققها الشعب اللبنانيّ بجيشه وقواه الأمنيّة ومقاومته الشعبيّة ومؤسساته التي لم يصل إليها الفساد من جامعات ومعاهد ومؤسسات أكاديميّة وشركات ومعامل ومؤسسات طبيّة واستشفائيّة. وكذلك عن نبوغ عمالقة روّاد في الأدب والشعر والصحافة وسائر الفنون، وأمّا الذي حققه المغترب اللبنانيّ في أكثر من خمسين دولة في العالم من إبداع ونجاح وتفوّق، فهو موضع فخر واحترام وإجلال. وكذلك ما سجلّه لبنان من إنتصارات عظيمة على العدو الإسرائيليّ خلال سبعين عاماً من النضال والكفاح، حيث أصبح في ما بيننا وبين العدو الصهيونيّ توازن الرعب ما بعد العدوان الإسرائيلي في شهري تموز وآب 2006م. ولغاية تاريخه بفضل الله تعالى ووحدة الشعب والجيش والمقاومة. وقد تأكدت هذه الوحدة في صدِّ العدو التكفيريّ خلال السنوات الأخيرة في معركة الجرود في شهري آب وأيلول سنة 2017م. حيث تحققت هذه الإنتصارات العظيمة على الرغم من المصائب والنكبات التي مرَّت على اللبنانيين خلال خمسة وسبعين عاماً والتي تكلّمت عنها في تلك المقالة..

وممّا يجدر ذكره هو الإعراض عن ذكر هذه الإنتصارات والتعليق عليها من بعض رجالات الصحافة والإعلام وذكرهم بالتالي للفساد والإفساد والرشى في البلاد والتي ظهرت وتفشّت بين الكثير في الإدارات والوزارات، وبين الموظفين والمصالح الرسميّة والخاصّة. حتى أصبح التشاؤم والشتم والشتيمة، وقضيّة النفايات هي نشرة الأخبار التي تطالعنا كلَّ يوم في مناسبة وغير مناسبة، حتى سيطر الإحباط على كثير من شبابنا وشاباتنا في الثانويات والجامعات وأصبحوا يحلمون بالسفر والهجرة عن لبنان وترك تُراب الوطن وتُراث الأجداد والسلف الصالح للمصير المجهول وللأطماع والأحلام الصهيونيّة.

هل أنّ لبنان سويسرا الشرق ؟

وبعد هذا وذاك، هل يحقَّ لنا كلبنانيين أن نستعيد ونحقق حلم الآباء والأجداد في لبنان ومستقبله، وأن يكون لبنان هو سويسرا العرب وبلاد الشرق بكلِّ ما للكلمة من معنى. ومع احتفاظنا بجميع التقاليد والأعراف الفكريّة والثقافيّة التي جرت عليها الطوائف والعائلات اللبنانيّة واحترامها منذ مئات السنين، وتربيّة الناشئة على احترام تراثهم الدينيّ والثقافيّ واحترام بعضهم بعضاً من خلال احترام القانون ومحاربة الرشوة والفساد. والوقوف صفاً واحداً بوجه أطماع ومخططات العدو الصهيونيّ الذي يرى أنَّ الصيغة اللبنانيّة وبما يمثله لبنان من تُراث وإنسان هو العدو الأوّل له بهذا الشرق!!.

نظرة على تاريخ سويسرا وحاضرها

لو رجعنا إلى موقع «غوغل»... فإنّه يعطينا جواباً عن ذلك بست وثلاثين صفحة، وخلاصة ما نريده من هذه الصفحات:

الإتحاد السويسري هو جمهوريّة فيدراليّة تتكون من 36 كانتوناً، مع مدينة برن كمقر للسلطات الإتحاديّة. تقع سويسرا في غرب أوروبا، حيث تحدّها ألمانيا من الشمال، فرنسا من الغرب، ايطاليا من الجنوب، النمسا وليختيشتاين من الشرق، حيث تشكلّت الكونفدراليّة السويسريّة على مدى عدّة قرون، لكنها تميّزت منذ نهاية القرن الثالث عشر بحرصها على الحياد. وابتعادها عن الدخول في حروب مع جيرانها.

سويسرا الحديثة تشكلّت عام 1848م. لا توجد فيها لغة رسميّة واحدة، بل هناك أربع لغات. وهي من عدّة قوميات هي: الألمانيّة، والفرنسيّة، والإيطاليّة، والرمانشيّة كما أنّ شعبها من الكاثوليك والبروتستانت واقليات أخرى من المسلمين واليهود واللادينيين.

وعلى الرغم من وقوع جغرافيتها في جبال الألب وثروتها الطبيعيّة والتاريخيّة تتألف من الغابات والأخشاب والمراعيّ والأجبان والألبان واللحوم والتفاح والأعناب والخمور فإنَّ استتباب الديموقراطيّة والسلام والأمن بها جعلها موطناً للمنظمات الدوليّة ومركزاً لمنظمة الصليب الأحمر الدوليّ وللسياحة ولأعظم مصارف العالم المحترمة، والشركات الماليّة الكبرى ولأرقى الصناعات في العالم وأهمها الساعات وغيرها. وهي من أغنى البلدان في العالم من حيث الناتج المحلي الإجماليّ للفرد، وتحتوي على أعلى ثروة للشخص البالغ (الأصول الماليّة وغير الماليّة) من أي بلد في العالم. وهي الدولة التاسعة عشرة كأكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج الإجماليّ الاسمي ورقم 36 في تعادل القوة الشرائيّة.

مساحة البلاد هي 41285 كيلو متراً وعدد مواطنيها قرابة الثمانيّة ملايين نسمة.

في العام 1742 تساءَل صموئيل جونسن «بأي سياسة عجيبة، أو بأي توافق سعيد بين المصالح، أمكن تجنب الفتن في دولة تتألف من شتى المجتمعات وَمُختلف الأديان، على الرُّغم من أنَّ في أهلها من الولع بالحرب ما يجعل من تقرير جيش ومن حشده شيئاً واحداً؟».

وحيث كان المجتمع السويسري الذي تكلّم عنه جونسن منذ القرن الثامن عشر يستطيع أن يُجند ستين ألفاً من خيرة شبابه. وكان الملوك في فرنسا ودولة الفاتيكان في روما وغيرهما من دول أوروبيّة، يفتخرون بحراسة هذا الجيش لهم لأمانته ومصداقيته وانضباطه. ولا زال لغاية أيامنا جيش دولة الفاتيكان الرسميّ يتألف منه دون سواه. وجيش الإتحاد السويسري هو من الجيوش المُحترمة في أوروبا في العدّة والعديد والتكنولوجيا العسكريّة الصناعيّة الحديثة والتقاليد العسكريّة المتوارثة.

لبنان الدولة الرائدة في العالم العربيِّ

كما تكلّمت أيضاً عن ريادة اللبنانيين في العالم العربيّ في مقالتي الآنفة الذكر، في العدد المزدوج (35 ـ 36)، منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلاديّ ولغاية الحرب الأهليّة المشؤومة التي حدثت في 13 نيسان 1975م. ولغاية عام 1990م. وضربت مثالاً على ذلك بشهداء لبنان وأبطال الإستقلال الّذين أعدمهم جمال باشا السّفاح في 6 ايار عام 1916م. حيث كان معظمهم من أهل الفكر والقلم ومن أهل الصحافة في لبنان ومصر واسطنبول وباريس.

وريادة لبنان كانت أيضاً قبل عام 1975م. في قضايا كثيرة أخرى يستطيع كل باحث معرفتها والحديث عنها للأجيال وحثِّ النّاس على معرفة أمجاد أسلافهم في المعرفة ومُختلف الفنون والعلوم، من خلال وسائل الإعلام. غير أنّ الحرب الأهليّة في لبنان (1975 ـ 1990) والاجتياجات الإسرائيليّة للبنان في البرِّ والبحر والجو منذ عام 1978م. ولغاية عدوان تموز 2006م. واتفاقيّة القاهرة لتنظيم المقاومة والوجود الفلسطينيّ في لبنان عامي 1969 ـ 1970 وبالتالي دخول قوات الردع العربيّة إلى لبنان بقرار من القمّة العربيّة في أواخر السبعينيات من القرن الماضي وما رافق ذلك من مؤامرات وأحداث وتهجير وسرقات وتعدّيات على الجيش اللبنانيّ وممتلكات الدولة والأراضي الأميريّة، وحقوق النّاس في المرافئ والمطار والمقاولات وغيرها من مسائل أضعف سلطة القضاء وهيبته وشلّت يده بعد انتهاك بعض المافيات واغتيالها لبعض القُضاة أثناء ممارساتهم لواجباتهم الرسميّة. وغيرها من قضايا حدثت يطول الحديث عنها.

والكلمة الأخيرة

والكلمة الأخيرة هي أنَّ الحكومة اللبنانيّة العتيدة والمجلس النيابيّ يستطيعون أن يعيدوا للقضاة هيبتهم ويضربون رجال المافيا على جميع الجهات والجبهات كما فعلت الحكومة الإيطاليّة من قبل ثلاثة عقود من السنين. كما باستطاعة فخامة رئيس الجمهوريّة أن يطلب رفع الحصانة عن كُلِّ مُتهم بالرشوة والفساد وأن تكون الكلمة الأخيرة للقضاء.

والمطلوب بعد هذا وذاك أن يكون للبنان وزارة للتصميم مؤلفة من خيرة المهندسين ورجال الفكر والإبداع تضع الخطط للقضاء على الفساد بالخطط العلميّة الحديثة ومعالجة هدر المال العام، وكذلك معالجة قضايا تلوث المياه والهواء وغيرها من قضايا وتضع بالتالي خطة خمس سنوات للنهوض بلبنان الحديث.

وبالتالي تأليف لجنة برلمانيّة من كبار البرلمانيين المخضرمين الّذين لهم باع طويل في العمل البرلمانيّ للجنة الإدارة والعدل لمحاربة الفساد والحيل والمخارج القانونيّة التي تعتمدها بعض الوزارات والإدارات الرسميّة للهدر ولإعطاء مشاريع بالتراضي وغير ذلك من طُرق وحيل قانونيّة، وإعطاء الضوء الأخضر للنيابة العامّة برفع الحصانة عن كل مُشتبه به. وبالتالي لوضع خُطط تشجع الموظفين الفاسدين للاستقالة وتشجيع جميع موظفي الدولة المُبدعين وأصحاب الوفاء على البقاء. وفتح مجال التوظيف لجميع المواطنين دون استثناء حسب الشروط المرعيّة الإجراء في الكفاءة والنزاهة. وأخيراً تطبيق اتفاق الطائف حول اللامركزيّة الإداريّة وحول مجلس الشيوخ العتيد...

وجعل مهمات مجلس الشيوخ هو تحقيق المراقبة والعدالة على جميع مؤسسات الدولة وتعزيز قدرات الجيش اللبناني والمقاومة في لبنان وفق استراتيجية للدفاع مُتفق عليها حتى يُصبح الجيش اللبنانيّ ومقاومتنا اللبنانيّة بمستوى قُدرات الجيش السويسري في أوروبا...

والاستفادة من ثروات لبنان الموعودة من نفط وغاز لوفاء ديون لبنان الداخليّة والخارجيّة وللقضاء على الفقر والجهل والمرض والحرمان. وللإستفادة من قُدرات المغتربين اللبنانيين الفنيّة والعلميّة وفي مختلف المجالات ضمن خُطط علميّة حتى يكون لبنان سويسرا البلاد العربيّة والشرق الأوسط دون منازع في القرن الواحد والعشرين.

والمنطلق الشرعي لكلامنا الآنف الذكر يحتاج إلى كتابة أطروحة خاصّة بذلك. غير أنني اكتفي بهذه العجالة بالاستشهاد بالمعاهدة الأولى لحقوق الإنسان التي وقعّها رسول الله مُحمّد بن عبدالله w، مع المسلمين من المهاجرين والأنصار من جهة، وقبائل اليهود في المدينة والأوس والخزرج من غير المسلمين من جهة أخرى، في السنة الأولى للهجرة في المدينة المنوّرة الموافق للعام 622م. للمحافظة على حقوق المواطنة لجميع أهالي المدينة مع المحافظة على حقوق المسلمين المهاجرين الجدد إلى المدينة دون استثناء أحد. وأن يكون الجميع يداً واحدة في صدِّ أي عدوان خارجي على المدينة. ووضع قواعد للرجوع إليها عند حصول أي نزاع أو جريمة أو نحو ذلك، كما أيدَّ القرآن الكريم هذه المعاهدة الوثيقة وغيرها من معاهدات ووثائق بآيات كثيرة منها قوله تعالى: (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) سورة البقرة، آية 136.

وقوله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) سورة الممتحنة، آية 8.

وقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) سورة النحل، آية 90.

«وكذلك العهد الذي كتبه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب t، لمالك بن الأشتر النخعيّ لما ولاه مصر والذي تبنته الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة وجعلته شُرعة لها ومنها قوله t، والنّاس صنفان، إمّا أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق (1)». وغيرها من أدلة وتفاصيل واستدلال.

 

 

 

الهوامش:

(1) راجع أعمال المؤتمر الدولي الأوّل لجامعة المعارف، بيروت 12 ـ 13 (سبتمبر) 2017م. الدكتور طلال عتريس، ص 8.