القرآن في مواجهة الإلحاد العلمي

25/11/2019
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

 

بقلم الدكتور أحمد محمّد قيس

طلب مني الأستاذ والأخ الكبير الدكتور يسري عبد الغني عبدالله (حفظه المولى)، مراجعة كتاب بعنوان(القرآن في مواجهة الإلحاد العلمي) وإبداء الملاحظات العلمية عليه، وإنني إذ أشكره على هذه الثقة التي تفضّل بها عليّ، راجياً المولى عزّ وجل أن أكون قد أدّيت أمانة هذا التكليف والطلب.

وعليه فإنني في بداية الكلام لا بُدَّ لي من الإشادة بالجهود البحثية من أي نوع كانت، وبغض النظر عن القيمة العلمية أو المعرفية التي تتمخض عن ذلك ، على اعتبار أن التشجيع على البحث والكتابة هو أمر بات ضرورياً لا سيّما في وقتنا الراهن، الذي يعاني من تراجع خطير على المستوى الثقافي والمعرفي والعلمي بشكل صحيح. إلاّ ان كل ذلك لا يمنع أو يحول من إبداء الرأي والملاحظات العلمية حول أي بحث من أجل تصويبه، وتسليط الضوء على الهنّات أو الأخطاء التي تضمّنها، وخاصة إذا ما كان هذا البحث يتناوله أمراً في غاية الأهمية، وعلى درجة عالية من الخطورة لجهة المسائل الإعتقادية الدينية وبالأخص الإسلامية.

وهذا ما سنحاول القيام به بحول الله وبشكل موجز قدر الإمكان، لذا فإنني سأتناول هذا البحث بالتعليق من زاويتين أو جهتين: ١ـ جهة الشكل. ٢ـ جهة المضمون.

١ـ فمن جهة الشكل سأكتفي بالإشارة الى نقطتين أساسيتين، وإن كان يوجد غيرها الكثير:

أـ إن العنوان المعتمد في هذا الكتاب يعاني من خلل خطير لم ينتبه له المؤلف، حيث جعل القرآن الكريم في مواجهة الفكر العلمي والذي نعته بالإلحادي، وهذا خطأ كبير، إذ يوحي هذا العنوان بتناقض القرآن مع العلم من جهة، كما يوحي بأن الإلحاد له أسس ومفاهيم ومرتكزات علمية، وهذا غير صحيح على الإطلاق. كما أنه في مقدمة الكتاب أشار المؤلف الى أن أولى خطوات الإلحاد هي التشكيك بالقرآن، وهذا الأمر غير صحيح ودقيق، إذ أن الإلحاد يرفض الفكر الديني كافة، والإسلام من ضمنها، (راجع صفحة ٧).

بـ إن الكتابة البحثية والعلمية لا بد لها من شرح للاشكالية المراد معالجتها، كذلك الإشارة الى المنهج العلمي الذي سيعتمد في سبيل ذلك، وتبويب وتقسيم الفصول والعناوين بشكل موضعي، ومنطقي، بالإضافة الى ذكر المصادر والمراجع المعتمدة في الهوامش ذات الصلة بالموضوع المبحوث فيه، ما خلا الكتابة الأدبية أو الشعرية فإنها غالباً لا تحتاج الى مصادر أو مراجع ، مع أن هذا الكتاب الذي بين أيدينا يتناول موضوعاً عقائدياً وعلمياً بإمتياز، إلا أن المؤلف لم يذكر المصادر والمراجع المعتمدة في الهامش أو في لائحة خاصة في نهاية الكتاب.

وهذا الأمر في غاية الغرابة والإستهجان، وبالتالي فإنه ومن خلال هذا الأمر أفقد القيمة العلمية والمرجعية الفكرية لهذا الكتاب، وحصره في دائرة الرأي الفردي والشخصي للمؤلف، وبالتالي تحوّل هذا العمل الى مقالة خاصة وليس أكثر من ذلك.

٢ـ أما لجهة المضمون فإن الأخطاء والملاحظات على ذلك كثيرة جداً، وسنشير الى البعض منها على سبيل المثال لا الحصر، وبشيء من الإيجاز.

أـ اللغة: إن اللغة المعتمدة من قبل المؤلف استفزازية جداً وبشكل سلبي، في حين أنه يجب أن تكون إستفزازية بالمعنى الإيجابي، بحيث تجعل القارئ يشحذ همّته للتوسع في فهم المسائل والأفكار المطروحة. أمّا في حالتنا الحاضرة فإنها تدعو القارئ الى ترك الكتاب وطرحه بعيداً، ناهيك عن الكثير من العبارات المبتذلة والإستعلائية، والتي لا تخدم أهداف أي بحث، لا سيّما الأبحاث العلمية الرصينة أو الدينية أو الإسلامية بشكل خاص.

ب ـ التشويش: يعاني هذا العمل من التشويش بشكل مفرط ، حيث أن المعلومات مُساقة بشكل عشوائي وغير مترابطة بشكل موضوعي كما أنها جاءت بشكل تساؤلات أكثر من كونها مُعالجة تحليلية للمسائل المطروحة، وهذا يحول دون وصول القارئ الى أي نتيجة صحيحة ومنطقية، بخلاف ما يذهب إليه ويدّعيه المؤلف، وأبرز مثال على ذلك قول المؤلف: أن نوحt أول نبيّ، بخلاف إجماع المسلمين !!!(راجع ص٢٦).

ج ـ عدم الموضوعية: إن من أهم صفات الباحث العلمي إعتماد الموضوعية في عمله وبحثه، وهذا ما لم نراه في معظم المقالات التي طرحها المؤلف، حيث أنه عمد الى تعظيم و تفخيم بعض الشخصيات على حساب الآخرين دون أدلة أو براهين أو حتى تعليل، وكان المؤلف إنتقائياً للغاية لجهة الأسماء والأفكار، كما أنه حصر المفاهيم الإسلامية في إطار فكري واحد، بعيداً عن الأفكار والمفاهيم الإسلامية العريقة، وأيضاً جعل من بعض الشخصيات الإسلامية الركن الوثيق والوحيد للفكر الإسلامي، وهذا غير مقبول وغير صحيح على الإطلاق.

د ـ المنطقية: لم يراع هذا البحث الحد الأدنى من التسلسل المنطقي للأفكار والمسائل المطروحة على بساط البحث، وهذا ما سوف يؤدي حكماً الى ضياع القارئ، وعدم فهمه للأهداف أو النتائج أو الأفكار التي يريد المؤلف الوصول إليها، كما أن ترتيب العناوين والمقالات جاءت مبعثرة ومتداخلة وغير منطقية، بمعنى التسلسل الزماني، أو المكاني، أو الموضوعي، وما شابه ذلك.

هـ ـ الإجتراء: وهو بمعنى أن المؤلف تجرأ على طرح تصوّر خاص ، وتشكيل منظومة فكرية خاصة نعتها بالإسلامية وبشكل غير مسبوق أو معروف في الوسط العلمي، وجاء ذلك من خلال فهمه الشخصي لبعض الآيات القرآنية، والتي صاغها بشكل بعيد عن المأثور بين المفسرين وعلماء الكلام في الدائرة الإسلامية، (راجع على سبيل المثال الصفحة ٣١ حتى الصفحة ٣٥)، وهذا الأمر فيه من الخطورة ما تجعل الآخرين يتحاملون على الفكر الإسلامي من خلال ما كتبه الأستاذ المؤلف. وقد فاته المقولة المعروفة: أن طريق جهنّم مليئة بالنوايا الحسنة!!!.

وـ التشكيك: والمقصود هنا ليس التشكيك الفلسفي، وإنما التشكيك العلمي بالتراث، أي بالأدلة والبراهين العلمية المقطوع بصحتها بحكم العقل، والعقل، والتجربة، والحس.

ومثال على ذلك: ما اقترحه المؤلف في الصفحة ٤٢ الى صفحة ٤٥، حيث أنّه وبجرأة غير مفهومة أو مبررة، شكك المؤلف بل نسف كل الأدلة والبراهين العلمية والعقلية، لمجرد تخمين أو فهم خاص، أو حتى تأويل لبعض الآيات لإعتبارات ومفاهيم خاصة لا يحق له التعويل عليها لأنه ليس من أهل الإختصاص بهذا المورد.

زـ التنظير والحشو والإطناب: إن هذا العمل مليئ بالتنظير لمفاهيم شخصية على حساب العلم والإجماع المعرفي والعقلي، كما أنه محشو بالمعلومات العلمية المختلفة من كافة الإختصاصات بشكل مبهم، وغير موضوعي، وأيضاً أطنب المؤلف في شرح بعض المسائل العلمية المتخصصة والمعروفة بين أهل الإختصاص على حساب الإجابة على التساؤلات التي طرحها وكأن المؤلف أراد من خلال ذلك إشعار القارئ بأهمية ما يكتبه أو يفهمه هو وحده ، أكثر من الإجابة على أي إشكالية طرحها. ومثال ذلك: (راجع من الصفحة ٤٦ الى الصفحة ٦٢).

ح ـ التذبذب: وهي بمعنى أن المؤلف يقوم باستعراض فكرة معينة على أساس أنها حقيقة علمية، ليعود في مكان آخر الى رفضها أو التشكيك بصحتها، والطريف في الأمر أنه وبعد التشويش على على ذهن القارئ ، يحيل الأستاذ المؤلف الأمر الى القارئ نفسه، ليتبنّى رأياً مناسباً من أفكار ومفاهيم هي في غاية الخطورة الإعتقادية والعلمية. راجع مثلاً من الصفحة ٦٣ الى الصفحة ٦٨ لا سيّما موضوع (دوران الأرض)!! وهذا الأمر غريب جداً بالأبحاث العلمية، ويطلق عليه بعلم المنطق (برهان الخلف)، أي أن المؤلف يعتمد على بعض النظريات العلمية بشكل إنتقائي ثم يسوق لها بعض الآيات القرآنية التي يؤولها كما يشاء، لتأتي النتيجة (إن أتت) على خلاف ما يريده المؤلف العزيز!!.

طـ ـ التقديم والتأخير: بمعنى أن المؤلف أتعبنا جداً في محاولة فهم ما يريده ، لجهة تأخير ما يجب تقديمه، وتقديم ما يجب تأخيره، وهذا ناجم عن فقدان منهجية علمية واضحة يعتمد عليها المؤلف لتسوقه الى نتائج وخلاصات صحيحة ومنطقية.وبصراحة موضوعية أستطيع أن أجزم بأن هذا الكتاب من أعقد ما قرأت، أو راجعت، أو أشرفت عليه طوال مدة تدريسي في الجامعات أو المعاهد العلمية المختلفة، بالرغم من الجُهد المبذول والواضح من قبل المؤلف لجمع المعلومات، والتي لم تؤدّ المطلوب منها.ومن الأمثلة على ذلك( راجع من الصفحة ٧١ حتى الصفحة ١١٠).

كذلك الأمر لجهة التداخل الغير موضوعي ، فإنه وبالرغم من جمالية رسم الصورة البلاغية والأدبية القرآنية في الصفحة رقم ١١٣ الى ١١٤، إلا أنها بعيدة تماماً عن إشكالية البحث الأساس!!.

وأيضاً في الصفحة ١١٠ الى ١١٧ حيث يتنكر المؤلف للعلم الغربي بشكل مطلق وهذا امر غير مفهوم ، وخاصةً أننا كطلاب علم ومعرفة أبناء الدليل حيث ما مال نميل، والعلم بشكل عام قائم على قاعدة التراكم المعرفي الذي ننطلق منه سلباً أو إيجاباً لبناء معرفي جديد للمستقبل، بغض النظر عن مصدر هذه المعرفة أو العلوم.

ي ـ فقدان الملخّصات: وهي أنه يجب على الكاتب وضع ملخص عن أهم النقاط في ختام كل مقالة أو عنوان أو فصل ،حتى يسهل على القارئ فهم ما أُعسِرَ عليه، وهذا ما لم يقم به المؤلف وكأنه يكتب لنفسه، حتى إنه لم يضع لائحة بأسماء المصادر والمراجع التي اعتمد عليها ، وهذا كما قلنا سابقاً بالشكل غير مقبول وكذلك بالمضمون، حيث عرّض المؤلف نفسه الى هذا الإنتقاد، على اعتبار أن ما ورد في بحثه هو كلامه ورأيه الشخصي، وليس كلام غيره حتى يوجه له النقد ، وهذا أيضاً نوع من عدم الأمانة العلمية في النقل والتوثيق.

وختاماً: أعتقد أن الأستاذ المؤلف مُسلم غيور ومثقف، لكنه غير متخصص بالكتابة البحثية والعلمية، وخاصة في المسائل الكلامية ، وأن عمله هذا يحتاج الى الكثير الكثير من الجُهد حتى يرقى الى درجة الأبحاث العلمية، ناهيك عن الأهداف او النتائج التي يريد إيصالها، والتي لا نوافقه عليها بشكل مجمل، كما إنني أعتقد أن هذا التخبط وهذه العشوائية في معالجة هكذا مسائل، تساهم في زيادة حجم الضرر الذي يزعم المؤلف بمواجهته والتصدي له، بالإضافة الى أنه لم يأت بثمرة علمية مفيدة يمكن الركون اليها أو الإستفادة منها.

القاهرة في ٧/٩/٢٠١٩ م.

قراءة في كتاب

 

الهوامش:

  1. بناءً لطلب بعض الأخوة المصريين من الدكتور يسري عبد الغني عبدالله (رئيس المنتدى الثقافيّ للأصالة والمعاصرة)، في القاهرة، إحالة كتاب (القرآن في مواجهة الإلحاد العلميّ)، إلى الدكتور أحمد محمّد قيس حتى يدرسه وَيُعِدَّ تقريراً عنه، وبعد قيام الدكتور قيس بما طُلِبَ منه، وجدنا أنّ هذا التقرير الذي كُتِبَ حول هذا الكتاب المذكور يناسب الفقرة الثقافيّة الخاصّة في المجلة المعنونة بإسم «قراءة في كتاب». لذلك أوردناه كما جاء مع صورة عن غلاف الكتاب المذكور آنفاً، مع الشكر الجزيل للدكتور يسري عبد الغني عبدالله على ثقته بالدكتور أحمد محمّد قيس وبمجلة «إطلالة جُبيليّة». رئيس التحرير.