من كلمات الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) للعلاّمة السيّد محمّد صادق الخرسان الموسويّ(1)

9/10/2017
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

إعداد هيئة التحرير

قال (ع):

«اعْقِلُوا الْخَبَرَ إِذَا سَمِعْتُمُوهُ عَقْلَ رِعَايَةٍ لاَ عَقْلَ رِوَايَةٍ، فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ، وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ»(2).

الدعوة إلى التأمل والتدبّر عند نقل الأخبار، وخصوصاً تلك الواردة عن النبيّ الأعظم w، وأهل بيته الكرام i، لأنّ الهدف الأسمى الذي لا بُدَّ من السعي نحوه هو الإستفادة العمليّة من الأخبار لا مجرد الحفظ والترديد، بل مضافاً للحفظ والترديد يكون الإستيعاب والفهم ليكون الناقل واعياً لما ينقله، مستفيداً منه، معتبراً ممّا فيه، متوقفاً عند المحطات التي تستحق التوقف عندها والتفكر فيها ليتطبع على الخير ويتأثر به في مجاله العمليّ.

وأمّا لو اكتفى الناقل بالحفظ والترديد فيكون حاله حال الأجهزة الصوتيّة التي تحفظ الصوت وتكرره عند الطلب من دون استيعاب لأنّها معدَّة أساساً لهذا الغرض التوثيقيّ، بينما الإنسان ـ بما أُعدّ له من تراث إسلاميّ ضخم ـ قد هُيئ له أن يكون عضواً صالحاً في المجتمع من خلال تأثيره في مَنْ حواليه من خلال قراءاته ومعلوماته المكتسبة التي تنفعه وتنفع غيره فيرتفع المستوى الثقافيّ والفكري والدينيّ للمجتمع من خلال هذه البداية البسيطة التي تبتني على الوعي التام لما يقرأه أو يسمعه فينقله ليتعلم تدريجياً الدقة والإلتزام.

وممّا يساعدنا على فهم هذه الحكمة أكثر والإيمان بأهميتها وجدواها ما نعايشه في حياتنا اليوميّة من إخبارات الأشخاص الّذين لم يتفهموا الخبر، بل كان نصيبهم الترداد كالببغاء أو المسجل من دون حساب للنتائج التي يمكن أن تحدث إيجابيّة أو سلبيّة.

ومن المؤكد أَننا لا نعتمد على هؤلاء بل نترك باب الإحتمال مفتوحاً فيمكن صحة الخبر كما يمكن العكس، بينما لو كان التثبت والتفهم هما الأساس لكان من السهل جداً الإعتماد على إخبارات الاشخاص لأنّهم قد استوعبوا ما نقلوا ووعوه وعياً صحيحاً وعندها فلا مانع.

فلا بُدّ أن نسعى لنكون من الرعاة للعلم والحافظين لمحتواه فبذلك يتحسن حال النّاس ولا نكتفي بأن نكون من الرواة للعلم والناقلين لألفاظه لأنّ ذلك لا يغيّر كثيراً من الواقع. إذ لو كان الغرض يَتمُّ بالنقل لكان التعبير بـ (انقلوا) وليس (اعقلوا) فمن التأكيد على اعقلوا ُيعلم أهمية التركيز والتفهم لينشأ جيل علماء ومثقفين واعين، فيتكامل النّاس ويتحسن وضعهم بعدما كان عدد العلماء دائماً أقلَّ من غيرهم بينما عدد غيرهم أكثر فلا حاجة إلى إكثارهم.

 

الهوامش:

(1) «أخلاق الإمام عليّ (ع)» ، للسيّد محمد صادق السيّد محمد رضا الخرسان، منشورات العتبة العلوية المُقدّسة، ط.6، النّجف الأشرف 1430هـ. 2009م. ج1، ص 89 ـ 90.

(2) «نهج البلاغة» ، شرح الإمام الشيخ محمد عبده، ج4، الكلمة رقم 98، ص 523.