من كلمات أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (ع) في نهج البلاغة

06/09/2016
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

شرح العلاّمة السيّد محمد صادق محمد رضا الخرسان (1)

قال (ع): قُرِنَتِ الْهَيْبَةُ بِالْخَيْبَةِ وَالْحَيَاءُ بِالْحِرْمَانِ، وَالْفُرْصَةُ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ فَانْتَهِزُوا فُرَصَ الْخَيْرِ(2).

الدعوة إلى أن يثق الإنسان من نفسه وممّا يحمله من طاقات فعّالة في المجتمع، ولا يتعوّد التردد في اتخاذ المواقف بعدما تتضح له حقيقة الأمر ممّا يسهّل عليه إتخاذ القرار وما يناسبه من إقدام وسعي وتنفيذ وتحمّل المسؤوليّة فإنَّ مَنْ يهاب شيئاً ويخاف من الإقدام عليه سيخيب في تحقيقه ويُحْرَم من تنفيذه.

إذن الهيبة من الإقدام ومخافة النتيجة المقبلة يلازمها الخيبة وعدم الظفر بالمطلوب وإنقطاع الأمل والتراجع خطوات إلى الوراء بدلاً من التقدم المأمول وهذا كفيل بإسقاط شخصيّة الإنسان داخلياً وخارجياً، عند نفسه وعند الآخرين. إذ حالة التردد والتقاعس وخوف النقد أو عدم التلقي المتوقع ونحو ذلك تهيّئ جواً نفسياً يخيّم عليه اللوم والندم واحتقار الذات وعدم الثقة بالنفس وهو ما يؤدي إلى تأزّم الوضع والإحباط بالتالي، فلم يفلح في طريق الحياة، وقد يؤدي إلى محاولة التخلص من هذا الجو الخانق بمختلف الوسائل.

وأيضاً ـ حالة التردد ـ تقلِّل من فرصة إعتماد غيره عليه أو الثقة بآرائه ومستويات تفكيره ومنجزاته وخطواته الإصلاحيّة ممّا يؤطره داخل خيبة الأمل وعدم الأهميّة في المجتمع وهو أمر مُتعب جداً، وقد يفضّل الإنسان الهروب من المواجهة، المعايشة، الحياة ـ أحياناً ـ لذلك.

وهذا ممّا يعني أن ندقق في دراسة المواقف لئلا نُصَاب بالفشل والخيبة، ولا نتورط بالتهوّر والإقدام غير المدروس المنتج لعواقب وخيمة، وعند اكتمال النظرة المبدئيّة للحالة يقرر الإنسان الإقدام أو التريث فلا تفوته الفرصة في وقتها المناسب.

وأيضاً فإنّ حالة الخجل المفرط تثني الإنسان عن بلوغ الأماني وتحقيق الطموح وبالتالي يفشل في الحياة وهو ما يتجنبه كل أحد ـ غالباً ـ لأنّه قد يضيّع الفرصة على الإنسان، والفرصة لا تعوَّض؛ لأنّ الحظ يطرق باب الإنسان مرة واحدة ـ كما يقولون ـ فإنّ وجده مُستعدّاً أخَذَه إلى حيث تحقيق الآمال والنجاح في الحياة، وإلاّ فهناك الكثير ممن هو أكثر استعداداً وتلقفاً لذلك.

فلا بُدَّ أن تقدِّر دعوة الإمام (ع)، إلى الإستعداد للأخذ بالفرصة في الحياة لأنّ للإنسان دوره في التخطيط للمستقبل بتوفيق الله تعالى، وإرادته، كما لا أحد يَلْجَأ إلى اتخاذ قرارٍ بالشكل الذي تُسحب منه القدرة على التفكير إذن لا بُدَّ من أن نسعى لنكون سعداء في الحياة بما لا يترك مجالاً للفشل بل يفتح أبواب الأمل أمامنا لئلا نكون إسقاطيين بمعنى أن نلقي ونسقط بفشلنا على القسمة، النصيب، الأهل، الحظ، الظروف، مداخلة الغير، بل لا بُدَّ من أن نستوعب الحالة بما يجعلنا قادرين على اتخاذ القرار المناسب في وقته المناسب لنتواصل في مسيرة الحياة كما سار السابقون.

 

الهوامش:

(1) «أخلاق الإمام عليّ (ع) »، ج1، ص 223 ـ 224 ـ 225، منشورات العتبة العلوية المُقدّسة ـ النّجف الأشرف ـ الطبعة السادسة 2009م. 1430هـ.

(2) الكلمة رقم: 20 من الجزء الرابع من \"نهج البلاغة\" ص 510، شرح الإمام محمد عبده، مفتي الديار المصرية، دار القارئ ـ بيروت.