من كلمات أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (ع) في نهج البلاغة

15/4/2016
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

شرح العلاّمة السيّد محمد صادق محمد رضا الخرسان (1)

قال الإمام عليّ بن أبي طالب (ع)، في الكلمة رقم: 32 في الجزء الرابع من نهج البلاغة: فَاعِلُ الخَيرِ خيرٌ منه، وفاعلُ الشر شرٌ منه.

الدعوة إلى فعل الخير والإستكثار منه، ونبذ الشر والإبتعاد عنه، إذ أنّ الخير عنوان يحتوي كل الفضائل والكمالات وكل ما فيه مصلحة أو نفع من دون مفسدة أو ضرر على أحد، فالتوجه نحوه والتفاعل معه وجعله محلاً للإهتمام ومحوراً في الحياة يعني أن فاعله ينطوي على حب الآخرين وارادته المصلحة لهم والعمل معهم على أساس إيجابي يسهّل عليهم تجاوز الصعوبات أو يعينهم على تفادي الوقوع فيها ممّا يؤثرُّ على التقوى وكمال الإنسانيّة وحسن الطويّة. وهذه مقومات لإيجابيّة الإنسان وجعله خيراً من غيره.

إذن فلا بُدَّ لنا أن نحب الخير للجميع ونسعى لإشاعته وتكثير مناشئه وسبلهِ لِيعمَّ فينتفع به أكبر عدد من النّاس ممن لهم علينا حق المشاركة في الإنسانيّة أو العقيدة أو الوطن ممّا يحتم علينا ضرورة المعاملة الحسنة وعدم البخل عليهم بما فيه خيرهم وإسعادهم بالمقدار الممكن المشروع.

والعكس صحيح؛ إذ أن الشر عنوان يجمع ما يرفضه النّاس من المساوئ والمعايب والرذائل وما يؤدي إلى شيء من السلبيات أو التشنجات الإجتماعيّة أو الفرديّة بما يجعل النّاس مبتعدين عنه رافضين له معرضين عما يتصل به.

وبطبيعة الحال فاعل الشر شرٌ منه؛ إذ يكشف ذلك عن سوء الدخيلة وإلحاق الأذى بالغير مما يعني إنحرافاً عن الطبيعة الإنسانيّة التي أودعها الله تعالى لدى الأسوياء من المخلوقين وهذا ما يؤثر في تحميل المجتمع تبعات مشكلات هذا الفرد الشرير لأنّ المجتمعَ حقلُ تجاربه ومحلُ تصرفاته إذ لا نتصوره يُكِّنُ الشر ويضمر السوء لمخلوقات أخرى أو أناس يبعدون عنه بما لا يبلغهم، وإنما المحيط مِنْ حواليه هو المتضرر بالدرجة الأولى والأخيرة إذ هو المنشأ له فيعاب سوء تربيته أو عدم الإعتناء به بالشكل الذي ينمّي فيه حب الخير وتجنب الشر، وأيضاً هو الذي يتحمل بالتالي أذاه وشره.

فلا بُدّ لنا أن نمسك يد الشرير ليكف شره عن الآخرين فلا نتأذى من جرّاء شره سواء كان التأذي مباشرة أو بالإنتساب إلينا. ولو عملنا بهذا وتحملنا المسؤولية لأمكن إلى حد كبير السيطرة على الحالات السلبية في المجتمع ليصفو الجو ويعم السلام.

 

وقال: (ع) كم من أكلة منعت أكلات (2)

 

إنّ هذه الحكمة تبيّن نظاماً غذائياً مفيداً لو ألتزم به الواحد منّا بحيث ينظّم أكله بما يتلاءم مع حالته ووضعه الصحي والنفسي فلا يسرف على أساس أنها فرصة ولا يترك على أساس الزهد.

بل يتوازن بما يحفظ له قوامه، ويعينه على مقاصده المشروعة وأهدافه المرجوة في الحياة؛ لأنّ الله تعالى خلق الإنسان وأراد إسعاده، وخلق الدنيا وما فيها لخدمته وتذليل الصعوبات المواجهة له بما يجعله القائم بحكم الله في الأرض.

فلا مانع إذن من التنعم بالمأكولات والالتذاذ بها لكن مقياس السيطرة متروك تحت يد الفرد ذاته لا يتحكم فيه سواه إذ هو على نفسه بصيرة، فلا يبقى جائعاً، شرهاً، مُتطلعاً لما عند غيره يَنْفَس (يحسد) عليهم نِعَم الله، كما عليه ألا يتحول إلى حاوية طعام وشراب بما يخرجه عن حدِّ الإنسان الطبيعي وقد يلتحق بغيره من المخلوقات التي تقضي أوقاتها بالأكل.

وبهذا نأمن عدم حدوث أزمات صحيّة أو اقتصاديّة فلا نشكو مجاعة أو حصاراً أو تضييقاً، وإنّما الجميع يتوازن وفق هذه الحكمة التي تؤكد أن بعض الأكل يهدد وجود الإنسان أو يمنعه من الإلتذاذ بالأكل مرة أخرى وإلى الأبد ـ أحياناً ـ فيكون طبيب نفسه من دون ما مشاورة واستشارة طبيّة فلا أمراض القلب ولا السكر ولا الضغط ولا الربو ولا أمراض المعدة بعوارضها المختلفة ولا.. ولا.. ممّا يتعرض له الإنسان بسبب التركيز على بعض المأكولات ولو في سنً معين أو مدّة معينة ولو كان لظروف خاصة فللأكل تأثيره في الإنسان مهما كان:

فالدعوة إلى أن يلتزم الإنسان بما يوافق مزاجه ويلائم طبيعته، وأن لا يُسرف في الأكل لأنّه سيتحمل ـ وحده ، بعد ذلك تبعات عدم الإلتزام، والإسراف في الأكل. (1)

 

الهوامش:

(1) « أخلاق الإمام عليّ (ع) »، ج1، ص 216 ـ 217، منشورات العتبة العلوية المُقدّسة ـ النّجف الأشرف، الطبعة السادسة 2009 م. 1430هـ.

(2) نفس المصدر، ص 235 ـ 236.