نشيدُ العَتَبةِ الرَّضويَّة (1)

06/09/2016
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

للبروفيسور فكتور الكك (2)

نَظَمَ هذا النَّشيدَ (3) البروفيسور فكتور الكِك (4) على البحر المُتقارَب، وقد ألقاها في مؤتمرِ اللَّجنةِ الدَّوليَّةِ لخُدَّامِ الإمامِ الرِّضا t ـ طهران، بتاريخ 20/8/2015 م.(5)

 

إِمامَ الرِّضا، يا إِمامَ السَّلامْ

لَأَنْتَ الغَريبُ، وَأَنْتَ الحَبيبُ

وَأَهْلُكَ عُرْبٌ، وَأَهْلُكَ عُجْمٌ

وَصَحْنُكَ رَحْبٌ يَفيضُ دُعاءً

كَسَتْهُ الشُّمُوسُ ضِياءً بَهِيّاً

وَضاءَتْ شُمُوسُكَ لَيْلاً نَهاراً

وَأَضْحَتْ شُمُوسُكَ نُورًا مُداماً

يَضِجُّ صَلاةً بِلَيْلٍ وَيَوْمٍ

وَأَنْتَ الكَليمُ لِرَبِّ البَرايا

حُشُودٌ مِنَ النَّاسِ مِنْ كُلِّ فَجٍّ

تَلُوذُ بِمَثْوىً تَلَأْلَأَ وَرْساً

غَمامَ النُّفُوسِ الحَيارَى بِدَهْرٍ

إِمامَ الكَراماتِ وَالمَكْرُماتِ

فَطابَتْ نُفُوسٌ، وَهَلَّتْ دُمُوعٌ

تُعَفِّرُ أَرْضًا، وَكانَتْ جُمُوعٌ

لَأَنْتَ مَليكُ المُلُوكِ وَأَزْهَى

حَياتُكَ كانَتْ دُعاءً وَعِلْماً

تُذيعُ حَديثًا شَريفَ المَعاني

يُفَرِّجُ كَرْبًا، وَيَمْسَحُ دَمْعاً

حَديثُ رَسُولٍ يَفيضُ بِوَحْيٍ

أَنا مِنْكَ سِبْطٌ بِدينِ المَسيحِ

حَبَبْتُكَ دَهْرًا، وَعُمْري نَدِيٌّ

وَكُنْتُ بِـ «طَهْرانَ» طالِبَ عِلْمٍ

«خُراسانُ» كانَتْ مِثالاً بِبالي

«أَبُو مُسْلِمٍ» قَرْمُها العَبْقَرِيُّ

بِسَيْفٍ فِرِنْدٍ، تَهابُ المَنايا

وَقِرْنٌ لَهُ «نادِرٌ» كَالضَّواري

وَلَكِنَّ «قُدْسًا» بِها قَدْ تَجَلَّتْ

إِمامُ «الثَّماني»، وَفَيْضُ الأَماني

«سَنابادُ» طيبي بِدَفْقِ الطُّيُوبِ

بَنُوكِ عَلَى العَدْلِ شادُوا بِناءً

مَلايينُ تَتْرَى، شِتاءً وَصَيْفاً

تُكَرَّمُ مِنْ مَكْرُماتٍ تَجَلَّتْ

بِأَرْضِكِ مَثْوىً يَفيضُ عُلُوماً

«بَهاءٌ لِدينٍ» هُوَ «العامِلِيُّ»

فَأَيْنَ مَقامٌ لِـ «مَأْمُونِ» مُلْكٍ

وَأَيْنَ ضَريحٌ لِـ «هارونَ» يُعْزَى

يَقُولُ: اسْرَحي، يا غَمامَ السَّماءِ

مَقامُكِ نَسْخٌ لِعِزِّ المُلُوكِ

وَ«إيرانُ» حِصْنٌ حَصينٌ لِأَرْضٍ

«أَبو قاسِمٍ» لَيْتَهُ مِنْ جَديدٍ

كِتابٌ لَهُ لَمْ يُجارَ بِدُنْيا

يُحَيِّي الجَهابِذَ يَوْمَ الفَخارِ

فَلَوْلا «الرِّضا» ما اسْتَقامَ بَيانٌ

حَباهُمْ بِمَكْرُمَةٍ مِنْ عُلاهُ

كَلامٌ «دَرِيٌّ»، «بُخارَى» اشْرَأَبَّتْ

حَبيبي «رِضا» العُرْبِ وَالفُرْسِ، بَلِّغْ

إِلَى أُمَّةٍ فَسَّخَتْ مِنْ عُراها

وَكُنْ عَبْرَ دَهْرٍ دَهيرٍ شِعاراً

حَلَلْتَ بِإِيرانَ خَيْرِ مُقامْ

وَأَنْتَ الشَّهيدُ، وَأَنْتَ المَرامْ (6)

فَآخَيْتَ بَيْنَ شُعُوبِ الأَنامْ

تَعالَى إِلَى خالِقٍ لا يَنامْ

فَشَعْشَعَ لَيْلاً، وَذابَ الظَّلامْ

فَلَيْسَ بِصَحْنِكَ نَفْسٌ تَنامْ

بِهِ يَهْتَدي الزَّائرُ المُسْتَهامْ

وَتَنْهَلُّ شِعْرًا نَدِيَّ الكَلامْ

حَكيمُ الوَرَى مُنْذُ عَهْدِ الفِطامْ

عَميقٍ، تُناجي وَتَدْعُو الإِمامْ

تَوَهَّجَ كَالشَّمْسِ تُزْجي الغَمامْ

فَمَعْرُوفُهُ مُنْكَرٌ مِنْ إِثامْ

اللَّواتي حَبَوْنَ الدُّنَى بِالسَّلامْ (7)

وَخَرَّتْ سُجُودًا مُلُوكٌ عِظامْ

تُقَبِّلُ بَيْنَ يَدَيْها الرَّغامْ (8)

وَمُلْكُكَ فِرْدَوْسُهُ لا يُرامْ

تُحَدِّثُ عَنْ جَدِّكَ المُسْتَهامْ (9)

يُرَوِّي عَطاشَى، يُزيلُ السَّقامْ

يُعَزِّي الثَّكالَى بِأَرْضٍ حَرامْ

يُزَلْزِلُ مُلْكًا بَدا مُسْتَدامْ

وَهاشِمُ جَدِّي كَريمُ الكِرامْ (10)

وَيَمَّمْتُ شَطْرَكَ وَسْطَ الزِّحامْ

شَغُوفاً بِـ «إِيرانَ» أَرْضِ العِظامْ (11)

لِأَرْضِ البُطُولَةِ كَيْ لا تُضامْ

يُزَلْزِلُ عَرْشاً عَتِيَّ المَرامْ (12)

بَريقاً لَهُ، وَالدُّنَى في قَتامْ (13)

يَصُدُّ العِدَى كَيْ يُعيدَ النِّظامْ (14)

بِعِتْرَةِ «أَحْمَدَ» خَيْرِ الأَنامْ

سَليلُ «العَلِيِّ»، وَسِرُّ الإِمامْ

فَـ «مَشْهَدُ» نُورٌ لِيَوْمِ القِيامْ (15)

غَدا قِبْلَةَ الكَوْنِ خَيْرَ مَقامْ

رَبيعاً، خَريفاً، بِحُسْنِ انْسِجامْ

شِفاءً وَعَطْفًا وَحُبًّا مُدامْ

وَتَقْوىً وَزُهْدًا لِشَيْخٍ يُرامْ

وَرُكْنٌ لِشيعَةِ أَهْلِ الوِئامْ (16)

تَحَوَّلَ ذِكْراً، وَنَسْياً يُسامْ؟

وَقَدْ كانَ مَلْكًا يُناجي الغَمامْ؟ (17)

فَأَنَّى ذَهَبْتِ خَراجي يُقامْ

وَشَرِّ الغُزاةِ العُتاةِ اللِّئامْ

وَأَبْطالُها رَهْبَةٌ لِلْحِمامْ

يُخَلِّدُ عِزًّا جَديدًا يُقامْ (18)

بِهِ لُغَةٌ أُحْيِيَتْ وَالكَلامْ

وَيُعْلي الدِّرَفْسَ إٍلَى أَلْفِ عامْ (19)

لِفُرْسانِ قَوْلٍ وَحُسْنِ الخِتامْ

فَقامَ البَيانُ مِنَ اللَّحْدِ قامْ

فَها «رُودَكي» قامَ خَيْرَ قِيامْ (20)

رِسالَةَ حُبٍّ وَصُلْحٍ يُدامْ

فَثَبِّتْ عُرَى الوَصْلِ عامًا بِعامْ

دِرَفْساً لِنَصْرٍ، لِواءَ السَّلامْ

 

 

 

 

 

الهوامش:

(1) الإِمامُ الرِّضا (عليُّ بنُ موسَى الكاظمِ) ثامِنُ أَئِمَّةِ السِّلسِلةِ الاثنَيْ عَشريَّةِ الَّتي تَبدأُ بالإِمامِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ وتَنتهي بالإِمامِ المَهديِّ الغائِبِ المُنتَظَرِ. رافَقَ الخليفةَ المأمونَ بنَ الرَّشيدِ في رِحلةٍ إِلى مَروَ في خُراسانَ القديمةِ (أَفغانستانَ، اليومَ)، واستُشهِدَ في سنابادَ بخُراسانَ الإِيرانيَّةِ الحديثةِ، فسُمِّيَتْ تلكَ المَحلَّةُ بِاسمِ مَشهَدٍ.

(2) فكتور الكِك من مواليد 1936 جبل لبنان، أستاذ جامعيّ ممتاز لديه ثلاث شهادات دكتوراه في آداب اللُّغة العربيَّة وفي اللُّغة الفارسيَّة وفي الفلسفة باللُّغة الفرنسيَّة. يتقن عدَّة لغات (العربيَّة، الفارسيَّة، الإنكليزيَّة، الفرنسيَّة) درَّس بهذه اللُّغات في جامعات فرنسا وأمريكا وكندا وإيران ولبنان، إضافة إلى اللُّغات السَّاميَّة القديمة والآريَّة القديمة. له أكثر من عشرين مؤلَّفًا مطوَّلاً وأكثر من مائة بحث طويل في موضوعات متنوِّعة (الأدب، اللُّغة، الفلسفة، العِرفان) وله الكثير من التَّرجمات من الفارسيَّة والفرنسيَّة والإنكليزيَّة إلى العربيَّة لغتِه الأُمّ.

ومن أَهمِّ وأوَّلِ كتُبِه الَّتي أصدرَها قبلَ خمسٍ وخمسين سنةً كتاب (فنّ المقامات

في تراث بديع الزَّمان الهمذانيّ وأثره في اللُّغات الفارسيَّة والسِّريانيَّة والعبريَّة)

والكتاب الآخَر (تأثير القرآن والحديث النَّبويِّ وفنون الشِّعر العربيِّ وعَروض

العَرب في الثَّقافةِ الإيرانيَّة)....

(3) النَّشيدُ يَختلِفُ عنِ المَقطوعةِ الشِّعريَّةِ بأَنَّه يُصاغُ للإِنشادِ، لذلكَ يَنبغي أَنْ          تكونَ معانيهِ قريبةً مِن مفهومِ النَّاسِ، وأَنْ يكونَ أُسلوبُه سَهلَ التَّناوُلِ.

(4) أ. د. فكتور الكِك: أُستاذُ الأَدبِ الفارسيِّ وحضارةِ إِيرانَ في الجامعاتِ اللُّبنانيَّةِ العريقةِ، ورئيسُ المَجمعِ الثَّقافيِّ العربيِّ (أَكاديميَّة بينَ عربيَّةٍ).

(5) عيون السِّيمان - لبنان 15/8/2015م. يومَ عيد السَّيِّدة العذراء مريم u.

(6) الغريبُ: لَقبٌ أَغدقَه الإِيرانيُّونَ علَى الإِمامِ عليِّ بنِ موسَى الرِّضا، لأَنَّه ماتَ غريبًا عَن وطنِه الأَوَّلِ وأَهلِه.

(7) الكَرامات: تُنسَبُ إِلى الإِمامِ الرِّضا كَراماتٌ لِشِفاءِ المَرضَى وما شابَه (153 ـ 203 ه/ 770 ـ 818 م).

(8) الرَّغام: التُّراب.

(9) للإِمامِ الرِّضا أَحاديثُ رَواها بالتَّسلسُلِ عن النَّبيِّ محمَدٍ.

(10) «سِبطٌ بدِينِ المسيحِ»: إِشارةٌ إِلى انتِماءِ الشَّاعرِ إِلى الأُسرةِ الهاشميَّةِ مِن جِهةِ والدتِه.

(11) إِشارةٌ إِلى الدُّكتوراه الأُولَى الَّتي حازَها مؤلَّفُ هذا النَّشيدِ مِن جامعةِ طَهرانَ في الأَدبِ الفارسيِّ والحضارةِ الإِيرانيَّةِ ما بينَ (1960 - 1963).

(12) أبو مُسلِمٍ الخُراسانيُّ: كان ركنَ الجيشِ العبَّاسيِّ الَّذي قَهرَ جيشَ الأُمويِّينَ، وبذلكَ قامتِ الخلافةُ العبَّاسيَّةُ.

(13) سَيْفٌ فِرِنْدٌ: ما يُرَى في السَّيفِ من تموُّجاتٍ الضَّوء.

(14) نادِر: هوَ نادر شاه الَّذي صَدَّ هجومَ القبائِلِ الأَفغانيَّةِ الَّتي عاثَتْ في إيرانَ العهد الصَّفَويّ فساداً. كان قائداً في الجيشِ الصَّفَويِّ، ثُمَّ نَصَّبَ نَفسَه شاهاً علَى إِيرانَ.

(15) سناباد: اسمُ القرْيةِ الَّتي نزَلَ بها المأْمونُ، واستُشهِدَ فيها الإِمامُ الرِّضا، فسُمِّيَتْ مَشهداً، تَخليداً لذِكراهُ وحُضورِه الدَّائِمِ فيها.

(16) بَهاءُ الدِّينِ العامليُّ: محمَّدُ بنُ الحسينِ (953هـ/ 1574م. ـ 1035هـ. / 1626م.)، يُعرَفُ في إيرانَ بالشَّيخِ البَهائيِّ. أَصلُه من جُباع بجبلِ عاملَ لبنانَ. وُلدَ في بَعلبَكَّ وهاجرَ مِن لبنانَ إِلى إِيرانَ في عهدِ الدَّولةِ الصَّفَويَّةِ مع كوكبةٍ من العامليِّينَ الَّذينَ استَدعَتهمْ تلكَ الدَّولةُ لتَرسيخِ المَذهبِ الشِّيعيِّ الاثنَيْ عشَريِّ الَّذي تبنَّاهُ الصَّفويُّونَ. كان شاعرًا ومُهندسَ مِعمارٍ وعالِمَ فلكٍ ورياضيًّا، فخلَّفَ في هذِه العلومِ كتبًا ظَلَّتْ لقرونٍ مَصدرًا في بابِها. قَرضَ الشِّعرَ بالفارسيَّةِ، وما تزالُ غزليَّاتُه تُذاعُ مِن وسائلِ الإعلامِ في إِيرانَ. وقدْ شُرِّفَ بدَفنِه في الحَرمِ الرَّضَويِّ، تكريمًا لدَورِه العظيمِ خلالَ العَهدِ الصَّفويِّ.

(17) هارونُ: هو هارونُ الرَّشيدُ الخليفةُ الشَّهيرُ، والدُ الأَمينِ والمأْمونِ.

(18) أبو قاسِم: هوَ أبو قاسِم فِردوسي (940 - 1020 م)؛ شاعرُ المَلحمةِ الشَّهيرةِ «شاهنامه»، رَوَى فيها في نَحوِ ستِّينَ أَلفَ بيتٍ سِيرَ ملوكِ الفُرسِ العتاقِ وأَبطالَهمْ ومَعاركَهمْ منذُ العُصورِ الأُسطوريَّةِ حتَّى مَجيءِ الإِسلامِ.

(19) الجهابذة: مفردُها جهبَذ، معرَّبةٌ عن الفارسيَّةِ، تَعني مُصلِحًا ديوانيًّا، يُفيدُ صاحبَ خُزانةِ الكتبِ والواسعَ الاطِّلاعِ والنَّاقدَ.

الدِّرَفْس: رايةٌ أَو عَلمٌ كان لملوكِ إيرانَ العتاقِ، من صنعِ كاوه، وهو حدَّادٌ، كان

يَصنعُ آلاتِ الحَربِ، لذلكَ عُرفَ بِاسمِ دِرَفش كاوياني، نسبةً إليه. عُرِّبَ بكلمةِ

دِرَفْس واستَعملَه البُحتُريُّ الشَّاعرُ في قصيدتِه السِّينيَّةِ الرَّائِعةِ الَّتي وَصَفَ فيها

إِيوانَ كِسرَى المُهدَّمِ في المَدائِنِ، عاصمةِ الإِمبراطوريَّةِ السَّاسانيَّةِ (225 ـ

641 م). وقدْ ذَكرَه في هذا البيتِ حيثُ قالَ:

وَالمَنايا مَواثِلٌ، وَأَنُوشَرْ

وانُ يُزْجي الصُّفُوفَ تَحْتَ الدِّرَفْسِ.

والدِّرَفْسُ رَمزُ تحريرِ إيرانَ علَى يَدَيْ بَطلِهم الأُسطوريِّ أَفريدون، وكان مُزيَّنًا

بالجواهرِ الكريمةِ.

(20) دَرِيّ: تَعني اللُّغةَ الفارسيَّةَ في المُصطلَحِ الأَصليِّ، وهي مُشتقَّةٌ مِن دَر أَو دَرْب أي الباب، لأَنَّها نَشأَتْ في بلاطِ المُلوكِ، وهيَ تُعرَفُ به حتَّى الآنَ في طاجيكستانَ.

بُخارَى: عاصمةُ الأُمراءِ السَّامانيِّينَ الإيرانيِّينَ الَّذينَ ضَمَّتْ إِمارتُهم

قِسمًا مِن آسيا الوُسطَى وخُراسان، وغَدتْ عاصمةَ اللُّغةِ الفارسيَّةِ

ونَهضتَها.

رُودَكِي: أَهمُّ شاعرٍ بالفارسيَّةِ قبلَ الفِردوسيِّ. استَقرَّ في بلاطِ السَّامانيِّينَ،

وشَرعَ بنَظمِ الشَّاهنامه منجِزًا ما يَقرُبُ مِن أَلفِ بيتٍ مِن الشِّعرِ. (تُوُفِّيَ

عام 940 م).