السمّ في الدسم

22/1/2018
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

 

بقلم المربيّة الحاجة نمرة حيدر أحمد أم مصطفى

 

كنت أشاهد النشرة الإخبارية على إحدى المحطات المعروفة في بلدنا المتنوع الميول والألوان، في لحظة استرخاء؟ فجذبني اسم برنامج يوحي بالحظ، فتشوّقت لحضور جزء منه لاعتقادي أنّه كباقي البرامج الخفيفة التي تهدف إلى كسب جمهور من خلال تقديمات وهدايا من مراكز تجارية كبرى، هدفها الإعلان والترويج لبضائعها. إلى جانب بث الفرحة في نفوس رُوّاد هذه المراكز. ويا ليتني ما فعلت، لأن ما رأيته أظهر لي ترويجًا لبضائع من نوع آخر، مجموعة من الفتيات للعرض، بانتظار المشتري المناسب، وأمامهن الوسيط الذي يسوّق لهذه ويعرض مزايا ذاك. إنّه منتهى الإسفاف والإنحلال الأخلاقي، وعدم احترام لذوق المشاهدين ولعقولهم، بئس ما وصلنا إليه في بلدنا لا حسيب ولا رقيب.

 

إن هذه البرامج التي تغزو البيوت، وتثير الشهوات، وتغذي الرغبة في نفوس الناشئة باسم الانفتاح وحرية الرأي. هي أخطر من الحرب والرصاص، هي الحرب الناعمة التي تسعى لهدم أهم معقل في مجتمعنا وهو الشباب.

 

فهذا البرنامج وأمثاله، لا يسيء إلى الذوق العام والأخلاق فحسب، بل يضرب بالتعاليم السّماوية المسيحية والاسلاميّة، وبكل ما أتت به القيم الإنسانية، والتقاليد، والعادات الاجتماعية على مرّ التاريخ عرض الحائط، وكأن رسالتها المخفيّة تعويد الناس على رؤية الفساد والتعايش معه ومن ثمّ شرعنته، وجميعنا يعلم أنّ ما من مجتمع جعل الفساد ديدنه إلا كان نصيبه الهلاك.

 

إنّ ما رأيته يحطُّ من قدر المرأة، ويجردها من قيمتها وانسانيتها، ويذّكرني بأسواق النخاسة قديماً، فهؤلاء الفتيات بأفكارهن المنحرفة يوفرن للمشاهد لحظات من السخرية والتعليق التي سرعان ما يعتاد على رؤيتها ويرتضيها في مجتمعه وبيته، والمؤسف في هذه المهزلة إنها تحصل باسم الانفتاح والحرّية.

 

هذا البرنامج جعلني أتساءل بقوة، أين التوعية الأسرية والاحتضان للمرأة كي لا تسيء لنفسها ولغيرها؟ أين منظمات حقوق المرأة من سفك كرامتها وعزتها من خلال هكذا برامج؟

 

هل هذه هي الحرية التي كانت تنادي بها وتصبو إليها (التحلل من القيم والآداب)؟

 

أين الرقابة الإعلامية في بلدنا؟ هل أصيبت بغيبوبة ولا تصحو إلا بإيعاز سياسي أو بقدرة قادر. أين العقلاء والمثقفون؟ هل استسلموا للذين يسعون ليل نهار لنشر عادات وأفكار دخيلة منافية للدين والأخلاق ولمنظومة القيم في مجتمعنا الشرقي. لمَ لا تعلو أصوات الشرفاء للحدِّ من إباحة الخطيئة ونشر الفساد والفضائح من قبل محطات إعلامية غير مسؤولة، تدسُّ السم في الدسم لغايات خاصّة، حتى ولو كان ذلك على حساب انحراف شريحة من الناشئة.

 

نناشد كلّ صاحب ضمير حيّ في بلدنا، كلّ شريف وحرّ من المسؤولين والمثقفين والتربويين، كلّ الآباء والأمهات إلى رفع الصوت، والنضال بالكلمة، والقلم، والموقف، لحماية أطفالنا وشبابنا وشاباتنا، ولتحصين بيوتنا من همجيّة الإعلام ـ غير المسؤول ـ وخطره وسمّه وسياسته الهدّامة.