زيتون وضاحيتها قوالة في عام 1970م.

15/4/2016
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

طوني بشارة مفرّج (1)

الموقع والخصائص

على مسافة 44 كيلومتراً من بيروت عبر غزير ـ غبالة ـ العذرا، تحتل قرية زيتون رابية مستطيلة تبلغ مساحتها 575 هكتاراً، يحدها شمالاً المعيصرة وزعيترة، شرقاً العذرا، جنوباً نمورة وكفرجريف وغدراس، وغرباً العقيبة ـ بقاق الدين. ويبلغ متوسط ارتفاعها عن سطح البحر 650 متراً.

ليس فيها ينابيع، ممّا جعل زراعتها تقتصر على الحنطة والكروم والتوت والقليل من الزيتون، وتكثر فيها الأشجار البريّة وأهمها السنديان والعفص وبعض الشربين والصنوبر.

بيوتها 70، يتناثر بعضها بتباعد رحب على الرابيّة، ويتجمع بعضها بتقارب في منطقتها الغربيّة الشماليّة حيث يسكن الشيعة.

نشوء القرية

عرفت زيتون، وملحقتها قوالة، سكناً قديماً يعود إلى ما قبل زمن نشوئها الحالي، يدل على ذلك وجود بعض الآثار كالنواويس ومعاصر الزيت القديمة في منطقة قوالة، هذه المنطقة التي تحمل إسماً سامياً قديماً يدل بحدِّ

ذاته على عراقة السكن في تلك البقعة.

قوالة: كثرت الإجتهادات حول تفسير اسمها، وقد استعرض البحاثون عدّة امكانيات، محاولين اثباتها ضمن الجذور الساميّة القديمة، فخلصوا إلى اعتبارها إمّا مركبة «من جذر QEWA الذي يفيد المكوث والإقامة، أو مركبة من QWA DM´LLE أي مقام الآلهة، أم من QOLILE أي صوت الآلهة...» غير أننا نستبعد كل الإمكانيات الواردة، نظراً لعدم توافق لفظها مع لفظ الإسم الحالي: ولِمَ لا يتقارب مع صحة البقايا الأثريّة أو الوضع الجغرافي في القرية. وقد خلصنا إلى اعتبار معنى الإسم. مقام الحزن والنحيب. معتبرين أساسه مركباً من مقطعين: QEWA-ELYA، ولقد ملنا إلى هذا التقدير كون البقعة المسماة تقع على ضفة نهر أدونيس، موطن عبادة ذلك الإله الذي اشتهرت شعائره بالحزن والنحيب (راجع غبالة).

أمّا زيتون، فإسمها عربي، وهو يفيد أن البقعة كانت غنيّة بشجر الزيتون يوم عاد إليها السكان بعد الفتح العثمانيّ، ذلك الزيتون بقي من العهود السابقة لزمن خراب كسروان على يد المماليك في العام 1307، وبقيت معه آثار معاصر زيت قديمة العهد لا تزال ظاهرة حتى اليوم في ضواحي القرية.

كان أوّل من سكن فتوح كسروان بعد خرابه قوم من الشيعة إذ كان المشايخ الحماديون قد سيطروا على المنطقة وضبطوا اقطاعها. وفي وقت كانت فيه قرى المنطقة تنتقل إلى يد الدحادحة وأتباعهم من الأسر المارونيّة في القرن الثامن عشر، كان مجتمع زيتون الشيعي يخاوي القادمين الجدد، ليبقى في ما بعد ساكناً بجوارهم على عكس ما جرى في سواها من قرى الفتوح، إذ لم يبق من الشيعة سوى نزر قليل سكن المعيصرة والحصين، وقد إتخذ شيعة زيتون نسب بني حيدر، ويردد تقليدهم أنّهم متحدرون من بني حمادة أنفسهم، وفي زمن قطاع الدحادحة، قدم إلى القرية فروع من أسر: فهد وخيرالله وطايع، فأسرة خيرالله قدمت من غبالة، وأسرة فهد من عشقوت، وأسرة طايع من زعيترة، وهذه الأسر الثلاث تنتمي إلى الطائفة المارونيّة.

عملت الأسر المسيحيّة في إقطاع الدحادحة حتى العام 1861، في وقت كان الشيعة يعملون في أملاكهم، وقد أنشأ الموارنة لهم كنيسة في أوائل عهدهم بالقرية جعلوها على إسم القديس يوسف.

زيتون بين المتصرفيّة والإستقلال

مع بدء عهد المتصرفيّة، بدأ النصارى يتملكون الأرض بشرائها من المشايخ. وكانت القرية تنمو مع نمو عدد أبنائها حتى أضحت ذات حجم محترم في أوائل القرن الحالي، حتى ذلك التاريخ، كان مجتمع القرية لا يزال يتعاطى الأعمال التي تعاطاها منذ عهده بالقرية: زراعة حنطة وكرمة وتوت وتربيّة مواشٍ ودود حرير.

في بداية هذا القرن، عرفت زيتون هجرة خفيفة إلى امريكا.

كما شهدت نشاط رجل لا يزال مجتمع القرية يذكره مع حفظ الجميل لما عمله في سبيل مشاريعها العامة، وهو المرحوم ميلاد خيرالله.

ففي العام 1908، جدد ميلاد خيرالله بناء كنيسة مار يوحنا من ماله الخاص. ثُمّ شقَّ طريقاً من ماله أيضاً طولها 14 كيلومتراً، وصلت القرية بطريق طرابلس عبر العقيبة من جهة، وبطريق غبالة ـ يحشوش من جهة ثانيّة. يومها كانت زيتون تعدُّ «من الموارنة 40 مكلفاً، ومن الشيعة 20، وكانت حاصلاتها من الشرانق 1500 اقة، وحيواناتها الداجنة 44 (80)».

في الحرب العالمية الأولى. فقدت القرية بالموت جوعاً عدداً كبيراً من ابنائها، وعاد مجتمعها بعد الحرب ليزاول أعماله القديمة من جديد، وقد دام ذلك حتى العام 1937، إذ توقفت صناعة الحرير، وبدأ النزوح إلى المدينة. وعندما بدأ عهد الإستقلال في لبنان، كانت زيتون تعاني نتائج أزمة اقتصاديّة خانقة.

زيتون بين الإستقلال واليوم

اقتصر النزوح في زيتون على ربع السكان تقريباً. في وقت كانت بقية القرى تشهد نزوحاً ارتفعت نسبته إلى ثلاثة أرباع عدد السكان. ممّا جعل أبناء زيتون يحاولون إعادة تربيّة دود القز، وقد نجحوا في ذلك، ممّا جعلها اليوم إحدى القرى الكسروانيّة القليلة التي لا تزال تزاول هذه «الحرفة» غير أن التأخر في تجهيزها السكني جعلها تعاني من ركود العمران. فإنّ الطريق التي شقها ميلاد خيرالله بقيت دون تعبيد حتى العام 1952، إذ بدأت الدولة بتعبيدها على مراحل، كانت المرحلة الأخيرة منها في العام 1960م. وهي المرحلة التي وصلت القرية بطريق غبالة ـ يحشوش عند العذرا. ولا تزال الوصلة الفاصلة بينها وبين طريق طرابلس دون تعبيد حتى اليوم.

في العام 1957 وصلتها المياه من مشروع نبع الضامن (نهر الذهب) وفي العام 1967 وصلتها الكهرباء. كما عززت بشبكة مياه إضافيّة من نبع أفقا في العام 1969، وكانت الدولة أسست لها مدرسة رسميّة ابتدائيّة في العام 1952.

زيتون اليوم، حوالى 450 نسمة، أكثر أبنائها يعملون في وزارة الأشغال العامّة (يد عاملة) ولا تزال بيوتها تربي دود الحرير.

الثقافة فيها خفيفة، رغم أنّها قد صدرت عدداً قليلاً من أصحاب الوظائف العالية. غير أن السواد الأعظم من أبنائها لم يتيسر له تحصيل العلوم العالية.

أهم مطالبها، تعبيد الطريق التي تصلها بطريق طرابلس.

 

 

الهوامش:

(1) « الموسوعة اللبنانيّة المصوّرة »، للأستاذ طوني بشارة مفرّج، ج3، ص 157 ـ 158 ـ 159، ط. الأولى 1971م.

(2) ملاحظة: الإحصاء الوارد عن بلدة زيتون عن عدد المكلفين من الموارنة هو أربعون ومن الشيعة عشرون جرى أيام الدولة العثمانيّة في أوائل القرن العشرين للمكلفين الرجال بدفع الضرائب وكان يستثنى من دفع الضرائب آنذاك النساء والشيوخ من الرجال والمعوقون والأطفال. (هيئة التحرير).