دراسة موجزة عن بلدة علمات
إعداد: نادي التضامن الثقافيّ ـ علمات
في 19/12/1996م
حين نلج في دراسة عن بلدة علمات الواقعة في المنطقة الوسطى من بلاد جبيل، ندخل في بحث كبير وشاق ولا أغالي إذا قلت أننا ندخل إلى بلدة منسية يلفها البؤس ويضفي عليها بلاله غشاوة من الحرمان الطويل.
إننا في هذا التقرير الموجز، سنحاول أن نسلّط الضوء ولو إلى بعض الجوانب الرئيسية من الواقع الموجع ليقظة الضمير الإنسانيّ حينما يصحو من كبوة طويلة، تقاعس خلالها المسؤولون السابقون عن معالجة ومواجهة النواحي الإجتماعيّة والإنسانيّة وغيرها من القضايا ذات الإهتمام اليومي والحياتي لإنسان تلك المنطقة المغمورة عبر العهود، رغم ما فيها من طاقات بشريّة لها دورها الريادي وموقعها المتقدم في بناء الوطن والذوبان فيه كأفضل مواطن صالح غيور على مواطنيته والقيام بدوره الحضاري في شتى نواحي الحياة في المجتمع اللبنانيّ.
1 الموقع: في المنطقة الوسطى من بلاد جبيل، إذ تبعد عن الساحل 18 كلم تعلو عن سطح البحر 950 متراً يحدها إهمج شمالاً واللقلوق وقرطبا شرقاً ووادي نهر إبراهيم جنوباً وزبدين غرباً.
العائلات التي تتألف منها البلدة هي: عوّاد، حيدر أحمد، خير الدين، حيدر حسن، غداف، بدير، شقير، نصر الدين، شمص، علاّم، نون، أبي حيدر، حايك، دكاش، صفير، لحود، متى، زعرور، عجمي، قيس، هاشم، ملحم، يحيى.
سكانها: يقارب عدد سكانها العشرين ألف نسمة أمّا الّذين يسكنون البلدة صيفاً وشتاءً فلا يتجاوز الألفي نسمة.
أسباب النزوح: إنّ أهم أسباب النزوح الكثيف هو بسبب عدم وجود المدارس لتعليم أولادهم، لأنّ المدرسة الرسميّة الموجودة في البلدة ظلّت مدرسة للمرحلة الإبتدائيّة فقط لعام 1975م. لتصبح بعد هذا التاريخ مدرسة ابتدائيّة ومتوسطة. وبقي القسم الثانوي غير موجود ممّا يضطر الكثير من القاطنين الدائمين إلى النزوح إلى المدينة وخاصة إلى بيروت بنية تعليم أبنائهم في المرحلة الثانوية وما بعدها.
ولا ننسى أن المدرسة المتوسطة الموجودة في البلدة تعلم اللغة الفرنسيّة إلى جانب اللغة العربيّة ولا وجود للفرع الإنكليزي في كافة الصفوف الإبتدائيّة والمتوسطة.
زد على ذلك أن المدرسة تعاني من فقدان الجهاز التعليميّ الكافي، وخاصة في بعض الإختصاصات كمدرسين للغة الفرنسيّة والمواد العلميّة الأخرى، ممّا ينعكس ذلك سلباً على الطلاب وعلى المدرسة بالوقت عينه، حيث تكون النتيجة النهائيّة غير مُشجعة للأهل للبقاء في الواقع التربويّ السيىء لأولادهم.
موارد العيش والإنتاج المحلي: حيث تتوافر موارد العيش يستقرُّ الإنسان ويبني ويثبت أقدامه ويغرس آماله وآمال الأجيال القادمة.
يملك أهالي بلدة علمات مساحات كبيرة من الأراضي الزراعيّة والأحراج البريّة، ولكنها متروكة بوراً، كانت في ما مضى حقولاً يُزرع فيها القمح والحنطة، وقد اضمحلت هذه الزراعة كلياً بسبب غلاء اليد العاملة وقلة العاملين في هذا الحقل وعدم تشجيع المزارع ومساعدته من قبل المسؤولين في الحقل الزراعي، إذا أن أكثر المساحات بعليّة ولا يوجد آبار ارتوازيّة ولا خزانات للري مما يقلل كمية الإنتاج ويُصاب المزارع بالخسارة المزدوجة فيخسر الأرض وتخسره البلدة بأن يترك الأرض وينزح إلى المدينة باحثاً عن موارد عيش أخرى.
إنّ أهم مورد إقتصادي كانت تنتعش منه البلدة هو المحصول الزراعي من بساتين التفاح والإجاص والخوخ من المنطقة الجرديّة العاليّة المسماة «بقعاتا» والتي تحاذي منطقة اللقلوق من الشرق وقرطبا من الجنوب الشرقي وإهمج من الشمال.
فقد كانت هذه المواسم تشكل 50٪ من المورد الإقتصادي لإبناء البلدة بالإضافة إلى بعض الزراعات البعليّة من خضّار وحبوب ولكن هذه الموارد قُضي عليها تماماً منذ السبعينيات لعدم وجود الطرقات المؤديّة إلى تلك المنطقة حيث كان الآباء الأشداء يتحملون ظلم الطبيعة وينتقلون إلى بساتينهم مشياً في مسالك جبليّة وعرة وينقلون مواسمهم على ظهور الخيل والدواب وكانوا يحرثون الأرض بطرق بدائيّة على الثيران إذ لا تستطيع المحركات الزراعيّة الوصول إلى هناك حيث لا يوجد طرق زراعيّة رغم أن في لبنان وزارة زراعة وما يسمى بإدارة المشروع الأخضر ولكن الإبن يصرخ ولا أم له فإلى من تشتكي في زمان المحل الأصمّ.
في بداية السبعينيات حاول بعض الغيارى من أبناء البلدة المتمسّكين بأرضهم اتخاذ مبادرة شخصيّة منهم بإنشاء تعاونيّة زراعيّة في البلدة وخطوا بذلك خطوة خجولة فأتوا ببعض الأدوية والمواد الكيميائيّة من اسمدة وغيرها ممّا يحتاجه المزارع. آملين من وراء ذلك إبقاء أكبر عدد من المزارعين في البلدة واعدين أنفسهم بمساعدة الدولة لهم ودعمهم بالمساعدات والإرشاد الزراعيّ ولكن سرعان ما تبخرّت آمالهم وقضت الأحداث على ما خططوه وهاجروا خارج الوطن وما زالوا مهاجرين.
ندعوكم إلى زيارة بساتين التفاح في منطقة بقعاتا الجرديّة، حيث حول الأجداد والآباء الوعر إلى جنائن وبساتين فغرسوها بآلاف الأشجار من التفاح والإجاص وسقوها بعرق الجبين وأمضوا بها عقوداً من الزمن، نراها في هذه الأيام قد يبس الكثير من اشجارها فهي ترثي حال غارسيها، إن فقدان هذا الموسم أجبر الكثيرين من ابناء البلدة إلى تركها والنزوح إلى المدينة بحثاً عن عمل يحفظ لهم كرامتهم وشرف عيشهم.
نستطيع أن نجزم أن هذا النسيان لتلك المنطقة قضى على دورة الحياة الإقتصاديّة فيها، وكم هو مؤلم ذكر الأحداث التي عصفت بالوطن كم هو مؤلم تاريخ تلك البلدة الوادعة المسالمة، حيث لم يذكرها مسؤول برعاية أو مساعدة أو دعم للأهالي الذين صمدوا فيها متمسكين بأصالتهم ووطنيتهم متشبثين بأرض هي أقدس ما يملكون.
لا شك أنّ هذا النسيان سيزيد المرارة ويضاعف الحرمان ويولد حالة إجتماعيّة يائسة عند البقية الباقيّة من الرموز الأبيّة في تلك البلدة الواسعة.
الواقع الإجتماعيّ والصحي
البلديّة: لا يوجد في البلدة بلدية رغم مساحتها الشاسعة ورغم عدد سكانها الكبير، وهذا ممّا زاد في غياب الخدمات الحياتيّة لسكانها وممّا أفقد البلدة من مؤسسة فيما لو وجدت لأدت خدمات جليلة للمواطنين ولقدمت تحسينات جمة على إحياء البلدة وشوارعها الضيقة.
مياه الشرب: لقد سلّمنا بالواقع أنّه لا يوجد مياه للري في البلدة لتروي الحقول والبساتين، ولكن المؤسف أن البلدة تشرف من الناحيّة الجنوبيّة على وادي نهر إبراهيم الذي تجري مياهه في الأوديّة ليصب في البحر، فمياه الشرب التي تصل البلدة من منبع هذا النهر من أفقا بواسطة محطة للضخ تضخ ما دون الست ساعات في اليوم إذا كان التيار الكهربائي على أحسن ما يرام، فإذا حالفنا الحظ وضخت المياه لا تصل إلى كل منازل البلدة اذ تبقى غالبية البيوت العالية جغرافياً عن البلدة بدون وصول الماء إليها، وإن وصلت فإنّها كميات لا تفي بحاجة البيوت فتعلو الصرخة وتبدأ المراجعات مع مصلحة مياه جبيل التي عجزت حتى تاريخه عن حل هذه المشكلة التي تتفاقم مع بداية كل صيف أي مع صعود أهل البلدة في فصل الصيف للإصطياف في بلدتهم.
لجنة المشاعات: في البلدة هيئة إختياريّة تسمى لجنة المشاعات وهي تقوم ببعض الخدمات الخجولة في شوارع البلدة وطرقاتها الداخليّة.
المستوصف الصحي: بقيت البلدة إلى حدود العام 1984 تعاني من عدم وجود مستوصف أو محجر صحي فيها لمعالجة الحوادث والأمراض الطارئة التي يتعرض لها أبناء البلدة، إلى أن قام الأهالي بمبادرة خاصة وبنوا من تبرعات جمعوها بأنفسهم مستوصفاً متواضعاً، وّجُهزَّ ببعض الأدوات الطبيّة الأوليّة ولكنه بقي يفتقر إلى الجهاز الطبيّ والتمريض على حد سواء ففيه خادمة تقوم أغلب الأحيان بمعالجة الحالات والحوادث الطارئة، وَتُعطي العقاقير الطبيّة دون الرجوع إلى إستشارة الطبيب، الذي يُعاين مرة في الأسبوع فقط وإن حضر فحضوره لا يتجاوز النصف ساعة وهذا ممّا يُعرِّض الكثير من المُصابين والمرضى إلى أخطار كبيرة. فتزيد الطين بلّة كما يقول المثل وكأن في لبنان نقصاً في الجسم الطبيّ الذي هو في الحقيقة عكس ذلك، وإذا سألت عن الدواء في المستوصف فإنّك لا شك لا تجد سوى الحبوب المسكنة وغالباً ما تكون قد أشرفت على نهاية المدة الزمنيّة لصلاحيتها، فإذا أمامك واجهات زجاجيّة فارغة أشبه ما تكون بواجهات للعرض ليس إلاّ..
المؤسسات: نستنتج من كل ما تقدم أن هذه البلدة الواسعة الشاسعة لا وجود فيها للمؤسسات والمصانع التي لو قدر لها أن توجد لوجدنا فيها نسبة من النّاس بقيت فيها مع الأرض تزرع وَتكدُّ وتبني لغد أفضل ولريف أجمل.
النادي الثقافي: إن الحرمان الذي عانته البلدة في جميع مرافق الحياة وإهمال الدولة لها عبر عهود خلّت، سبّب للكثير من شبابها بالهجرة أو النزوح إلى المدينة تاركين خلفهم تعب الأجداد والآباء، فمنهم من حصّل العلم العالي ومنهم من جمع الثروات، فإذا بعد زوال المحنة التي عصفت بالوطن يقررون العودة إلى أرض الآباء والأجداد، وتداعوا إلى تأسيس «نادي التضامن الثقافيّ» عام 1992م. طامحين من خلاله إلى انعاش بلدتهم وأن يقوموا فيها بدور ثقافيّ رائد يتفاعل مع محيطه وخطوا خطوات جبارة في إيجاد قطعة أرض مساحتها ما يقارب الستة آلاف متر مربع ليقيموا عليها منشآت النادي وهم في طور إنشاء مكتبة ثقافيّة عامّة أصبح فيها لتاريخه ما يناهز الأربعة آلاف كتاب من شتى الإختصاصات الثقافيّة وهناك قاعة للمطالعة العامّة في مركز النادي المؤقت تفتح كل بداية صيف أمام القراء في بلدة علمات.
إن الخطوات حثيثة لبناء منشآت النادي على قطعة الأرض ذات الرقم /1358/ في منطقة علمات وقد أُنجزت رخصة البناء من نقابة المهندسين وهي في طور الحصول عليها من المكتب الفني في التنظيم المدني في جبيل، إن النادي يقوم بحملات نظافة مع مطلع كل صيف، زد على ذلك أن النادي يقوم كل سنة بحملات تشجير للأشجار المثمرة والحرجيّة.
فقد قدّم لأبناء البلدة ثلاثة آلاف غرسة من نصوب الزيتون حصل عليها من وزارة الزراعة بسعر مُخَّفض وكذلك وزَّع خمسة آلاف غرسة على ابناء البلدة من أشجار الصنوبر المثمر والخرنوب والسرو والشربين والكينا والأرز وقد زرع القسم الأكبر منها على نفقته الخاصة ومن ماليته المتواضعة جداً.
إنّ هذا العرض الموجز لبعض النواحي عن بلدة علمات هو جزء بسيط من كل تدبير، أنّه بإسم الغيارى من المسؤولين الّذين يحملون شرف المسؤوليّة بصدق وأمانة ليقدموا لمواطنيهم بعض ما عليهم من واجبات إنسانيّة، لنا بهم الأمل الوطيد والصدق الأكيد أن نسير وإياهم بنمط جديد عندئذٍ تستيقظ بلدة علمات من سبات لتجد نفسها متساوية مع كافة المناطق اللبنانيّة فيشملها الإنماء والإعمار وننسى عهوداً طمست وجهها فاقتصت منها دونما أي سبب اقترفته بحق الوطن.
علمات في 19/12/1996م.
أمين السر: علي عوّاد
الرئيس: ناجي حيدر
الهوامش:
(1) تكلّم الأخوة الكرام في نادي التضامن الثقافيّ ـ علمات. عن بلدة علمات التاريخيّة وعائلاتها الكريمة في قرى: الصوانة، علمات الشمالية، علمات الجنوبيّة، التي تشملها بلدية علمات في أيامنا هذه. وقرى طورزيا، فرحت، الحصون، بزيون، عين الدلبة، عين جران، بلحص، مشّان التي تربطها بعلمات صلات الجسد بالقلب ماضياً وحاضراً. وقد استحدثت بعد هذه الدراسة بلدية علمات الآنفة الذكر، بلدية الحصون، بلدية مشّان، كما أن مزرعة بلحص أُلحقت ببلدية مزرعة السيّاد.
|
|
|
|