فلسفة التاريخ
بقلم مستشار التحرير الدكتور عبد الحافظ شمص
رأى الكثيرون من الباحثين والمؤرخين ودارسي التّاريخ أنَّ دراسة التّاريخ تخضع لأساليب ومناهج مختلفة، وأحياناً متناقضة... ففي الشرق يُعتبر ابن خلدون 1332 ـ 1406م. واحداً من كبار فلاسفة التّاريخ، لما ورد في مُقدّمته من إشارات مُهمّة، لها علاقة بمعنى التّاريخ ودلالاته... ثُمّ أنّه يُعتبر واضع قوانين البحث العلمي في الكتابة التّأريخيّة.
وأمّا في الغرب، فقد جاء البحث في فلسفة التّاريخ مُتأخراً حيث جرت محاولات في منتصف القرن الثامن عشر، ما لبثت أن تطوّرت في القرن التّاسع عشر، لتزدهر في القرن العشرين على يد بعض الفلاسفة الإنكليز.
والبحث في علم التاريخ، كطبيعة ومفهوم، يبقى ناقصاً ما لم يُعرَّف تعريفاً علمياً سليماً...
والتّاريخ، كَمُعطَى لَهُ دلالاتُه ومفاهيمه، هو كلّ شيء حَصَل في الماضي، بعيداً كان أم قريباً... يُحدّد ما حَصَل ويكشف العناصر المرتبطة به... وهو الحديث عن الشعب أفراداً ومجموعات، وبالتّالي مدى ارتباط هذا الشعب بالأحداث.
فالمؤرخ لا يمكن أن يُعتبر حوادث طبيعيّة حصلت ما لم يتأثر بها الشعب بشكل مباشر أو غير مباشر.
وهناك من يقول بتطوّر التاريخ فَيَعْتَبِرُه قَوْلَ النّاس... أفكارهم وأعمالهم ومُعاناتهم التي حصلت في الماضي ووصلت إلى الحاضر بشكل أو بآخر... وَمَنْ يُركّز على مَاضي البشريّة بمفهوم تقليدي، فإِنَّ يَسْقُطْ بتحريفه التطورات الأخرى في عالم الطبيعة وفي الكائنات الحيّة غير الإنسانيّة وما قد يُؤثر على الإنسان...
فالجنس البشري مُرتبط بالطبيعة، فهي سبب الإستمرار، لما تُوفّر له من مقوّمات العيش... فالتّاريخ إذاً، عندما يهتمّ بماضي البشريّة، فهو يُحيط بها من مختلف الجوانب، ويعالج كلّ ما لَهُ بالكون المادي، وأساس تطوّره الحضاريّ... من جهة أخرى فإنَّ تعريف أحد الفلاسفة الإنكليز وهو Elton 1967 للتاريخ، يُدخل عنصراً جديداً لمفهومه، وهو التأكيد على ما وصل من الماضي... ولكن المؤرخ الذي يحتلّ الموقع الأبرز والمهم في البحث عن حقائق ووثائق الماضي، ثُمَّ اختيارها ومناقشتها ليصبح التاريخ بحثاً عن الحقيقة وهذا ما يُؤكد نظرة Carr 1977 بتعريفه للتاريخ على أنّه عمليّة تقاطع بين المؤرّخ وحقائقه، وبالتالي حوار متواصل بين الماضي والحاضر، فيبرز بذلك عامل الوقت على أنّه عنصر مُهم في تعريف التّاريخ وفهمه... والمؤرخ الذي يتعاطى مع الدلالة التاريخيّة هو نفسه من الحاضر... وهذا ما جعل Dance 1960 يَعتبر أنّ التاريخ ليس الماضي وإنّما هو سجلاّت الماضي، وحيثما وُجدت هذه السجلاّت وُجد التاريخ... وإنْ وُجدت، فلا شك أنّ هناك مَنْ أَوجدها، وبالتالي فلا بُدَّ من أنّه أعطاها طابعه وجعلها متأثرة وقد اعتبرت هذه النظرة غير مُرضيّة لأن Dance لم يضع البديل لعمل المؤرخين من جهة، ثُمَّ لم يأخذ بعين الإعتبار حوادث تاريخيّة ثابتة لا تقبل الشك... فالحقائق التاريخيّة المشكوك فيها عند Dance تُعتبر العنصر الأَهم الذي يُساعد المؤرخ على فهم التاريخ... والمؤرخ بدوره لا يستطيع صُنْع التاريخ بدونها... والحقائق بالمقابل لا يمكن أن تتكلم لنفسها وبنفسها إلاّ إذا وُضعت بإطارها التاريخيّ وَمن يضع هذا الإطار غير المؤرخ.
وأخيراً فيمكن تعريف التاريخ على أنّه بحث وتحليل للماضي من خلال الدلالة التاريخيّة المتعددة الأشكال...
وهذه التعددية يمكن أن تُسبب مشاكل للمؤرّخ لأنّها قد تكون ناقصة أو متناقضة... وهنا يُفترض البحث بالحقائق لمعرفة شرعيّتها... وهذا بدوره يتطلب معرفة مِنْ قِبَلِ المؤرخ لكي يستطيع التوصُّل إلى إستنتاجات صحيحة.
الهوامش:
(1) Elton 1967 – Sydney
(2) Caee 1977 – London
(3) Dance 1960 - London